للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْقُولَةٍ وَجَبَتْ النِّيَّةُ كَالتَّيَمُّمِ قُلْنَا يَأْتِي الْجَوَابُ فِي فَصْلِ الْمُنَاقَضَةِ.

(فَصْلٌ الْعِلَّةُ قِيلَ الْمُعَرِّفُ وَيُشْكِلُ بِالْعَلَامَةِ) اخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِ الْعِلَّةِ فَقَالَ الْبَعْضُ هِيَ الْمُعَرِّفُ أَيْ: مَا يَكُونُ دَالًّا عَلَى وُجُودِ الْحُكْمِ وَقَالُوا الْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ كُلُّهَا مُعَرِّفَاتٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ بِمُؤَثِّرَةٍ بَلْ الْمُؤَثِّرُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْنَا تَدْخُلُ الْعَلَامَةُ فِي تَعْرِيفِ الْعِلَّةِ، وَلَا يَبْقَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ الْفَرْقَ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا مُضَافَةٌ إلَى الْعِلَلِ كَالْمِلْكِ إلَى الشِّرَاءِ وَالْقِصَاصِ إلَى الْقَتْلِ، وَلَيْسَتْ الْأَحْكَامُ مُضَافَةً إلَى الْعَلَامَاتِ كَالرَّجْمِ إلَى الْإِحْصَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالْعَلَامَةِ.

(وَقِيلَ: الْمُؤَثِّرُ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ بِمُؤَثِّرَةٍ) اعْلَمْ أَنَّ الْبَعْضَ عَرَّفُوا الْعِلَّةَ بِالْمُؤَثِّرِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُؤَثِّرِ مَا بِهِ وُجُودُ الشَّيْءِ كَالشَّمْسِ لِلضَّوْءِ وَالنَّارِ لِلْإِحْرَاقِ، وَالْبَعْضُ أَبْطَلُوا تَعْرِيفَ الْعِلَّةِ بِالْمُؤَثِّرِ بِأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ بِمُؤَثِّرَةٍ بَلْ الْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ كُلُّهَا مُعَرِّفَاتٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدِيمٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَادِثُ.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحُكْمَ الْمُصْطَلَحَ هُوَ أَثَرُ حُكْمِ اللَّهِ الْقَدِيمُ فَإِنَّ إيجَابَ اللَّهِ قَدِيمٌ، وَالْوُجُوبَ حَادِثٌ فَالْمُرَادُ مِنْ الْمُؤَثِّرِ فِي الْحُكْمِ لَيْسَ أَنَّهُ مُؤَثِّرٌ فِي الْإِيجَابِ الْقَدِيمِ بَلْ فِي الْوُجُوبِ الْحَادِثِ بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَتَّبَ بِالْإِيجَابِ الْقَدِيمِ الْوُجُوبَ

ــ

[التلويح]

مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ إلَى الْآحَادِ فَأَبْطَلَ ذَلِكَ أَيْضًا وَسَكَتَ عَمَّا هُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ.

(قَوْلُهُ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ) يَعْنِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ لَا الِاسْتِعْمَالُ بِدَلِيلِ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى قَطْعِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ أَوْ حَرْقِهِ،، وَكَوْنُ الْمَاءِ آلَةً صَالِحَةً لِلْإِزَالَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُعَلَّلٌ بِكَوْنِهِ مُزِيلًا فَيُعَدَّى إلَى كُلِّ مَائِعٍ يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ، وَكَوْنُهُ مُزِيلًا يَتَضَمَّنُ أَمْرَيْنِ: طَهَارَةَ الْمَحَلِّ، وَعَدَمَ تَنَجُّسِ الْآلَةِ بِالْمُلَاقَاةِ، وَإِلَّا لَمَا وُجِدَتْ وَالْإِزَالَةُ بَلْ الزِّيَادَةُ، فَإِنْ قِيلَ بَلْ الْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ لِخَاصِّيَّةٍ فِي الْمَاءِ إذْ لَوْ كَانَ لِإِزَالَتِهِ لَوَجَبَ أَنْ يُشَارِكَهُ جَمِيعُ الْمَائِعَاتِ الْمُزِيلَةِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ. قُلْنَا الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ بِمَعْنَى زَوَالِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ بِمَعْقُولٍ إذْ الْعُضْوُ طَاهِرٌ لَا يَنْجُسُ بِهِ شَيْءٌ، وَمِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ كَوْنُ الْمَعْنَى مَعْقُولًا قِيلَ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ مَعْقُولٌ فَالْمَاءُ يُوجَدُ مُبَاحًا لَا يُبَالَى بِخَبَثِهِ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ حَرَجٌ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ.

وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْفَرْقِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْإِزَالَةُ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِرَفْعِ الْخَبَثِ فَإِنْ قُلْت قَدْ ذَكَرَ فِي بَحْثِ الْمُنَاقَضَةِ أَنَّ التَّطْهِيرَ بِالْمَاءِ مَعْقُولٌ وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّ غَيْرَ الْمَعْقُولِ هُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَمَّا إزَالَةُ الْحَدَثِ فَمَعْقُولٌ.

قُلْتُ يَأْتِي جَوَابُهُ فِي بَحْثِ الْمُنَاقَضَةِ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِطَبْعِهِ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ مَعْنَى لَا يُعْقَلُ فَلَا يَحْتَاجُ فِي صَيْرُورَتِهِ مُطَهِّرًا إلَى النِّيَّةِ بِخِلَافِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ مُلَوِّثٌ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهُ مُطَهِّرًا عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ، فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فَإِنْ قِيلَ هَبْ أَنَّ قَلْعَ الْخَبَثِ وَإِزَالَتَهُ بِالْمَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>