الْمُوَاقَعَةِ كَهَتْكِ حُرْمَةِ الصَّوْمِ مَثَلًا
(لَكِنْ بَعْدَ تِلْكَ الْعِلَلِ لَا يُمْكِنُ بِهَا الْقِيَاسُ أَصْلًا نَحْوُ: السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ لِأَنَّ السَّرِقَةَ إنْ كَانَتْ عِلَّةً فَكُلَّمَا وُجِدَتْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ الْقَطْعِيُّ نَصَّا لَا قِيَاسًا، وَكَذَا فِي زَنَى مَاعِزٌ وَنَحْوُهُ فَاسْتَخْرَجَهُ وَأَيْضًا النَّصُّ يَدُلُّ عَلَى تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فِي " وَاقَعْتُ امْرَأَتِي " وَنَحْوِهَا لَا عَلَى كَوْنِهَا مَنَاطًا فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَتَكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ وَأَيْضًا الْغَايَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَدُلَّانِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ وَثَانِيهَا الْإِجْمَاعُ كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الصِّغَرَ عِلَّةٌ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ) .
(وَثَالِثُهَا الْمُنَاسَبَةُ وَشَرْطُهَا الْمُلَاءَمَةُ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ عَلَى وَفْقِ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَظُنُّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ جِنْسَ هَذَا الْوَصْفِ فِي جِنْسِ هَذَا الْحُكْمِ وَيَكْفِي الْجِنْسُ الْبَعِيدُ هُنَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْ كَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا لِمَصْلَحَةٍ فَإِنَّ هَذَا مُرْسَلٌ لَا يُقْبَلُ اتِّفَاقًا) وَكَلِمَةُ هَذَا إشَارَةٌ إلَى كَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا لِمَصْلَحَةٍ
(لَكِنْ كُلَّمَا كَانَ الْجِنْسُ أَقْرَبَ كَانَ الْقِيَاسُ أَقْوَى) الِاسْتِدْرَاكُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ وَيَكْفِي الْجِنْسُ الْبَعِيدُ هُنَا
(وَالْمُلَائِمُ كَالصِّغَرِ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَجْزِ وَهَذَا يُوَافِقُ تَعْلِيلَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِطَهَارَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ بِالطَّوَافِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرُورَةِ) فَإِنَّ الْعِلَّةَ فِي أَحَدِ الصُّورَتَيْنِ الْعَجْزُ وَفِي الْأُخْرَى الطَّوَافُ فَالْعِلَّتَانِ وَإِنْ اخْتَلَفَتَا لَكِنَّهُمَا مُنْدَرِجَتَانِ تَحْتَ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الضَّرُورَةُ وَالْحُكْمُ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ الْوِلَايَةُ وَفِي الْأُخْرَى الطَّهَارَةُ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ لَكِنَّهُمَا مُنْدَرِجَانِ تَحْتَ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ أَيْ اعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ فِي حَقِّ الرُّخَصِ
(وَكَمَا يُقَالُ قَلِيلُ النَّبِيذِ يَحْرُمُ كَقَلِيلِ الْخَمْرِ وَالْعِلَّةُ أَنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ
ــ
[التلويح]
تُقَابِلُ الطَّرْدَ أَعْنِي وُجُودَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ مُلَاءَمَةٍ أَوْ تَأْثِيرٍ أَوْ وُجُودِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الرَّأْيَيْنِ.
وَالْمَذْكُورُ فِي أَصْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ هُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ بِحَيْثُ يَجْلِبُ لِلْإِنْسَانِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا وَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ عَلَى مِنْهَاجِ الْمَصَالِحِ بِحَيْثُ لَوْ أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهِ انْتَظَمَ كَالْإِسْكَارِ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ بِخِلَافِ كَوْنِهَا مَائِعًا يَقْذِفُ بِالزَّبَدِ وَيُحْفَظُ فِي الدَّنِّ، وَأَنَّ مِنْ الْمُنَاسِبِ مُلَائِمًا وَغَيْرَ مُلَائِمٍ، فَخَلَطَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَلَامَ الْفَرِيقَيْنِ وَذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ مَا يَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِمَصْلَحَةٍ اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ كَحِفْظِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالدِّينِ وَالنَّسَبِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَالْمُلَاءَمَةُ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا يُغَايِرُهَا وَيَكُونَ أَخَصَّ مِنْهَا، وَقَدْ فَسَّرَهَا الْقَوْمُ بِكَوْنِ الْوَصْفِ عَلَى وَفْقِ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ، وَظَنَّ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ جِنْسَ هَذَا الْوَصْفِ فِي جِنْسِ هَذَا الْحُكْمِ، فَالْمُرَادُ الْجِنْسُ الَّذِي هُوَ أَخُصُّ مِنْ كَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا لِمَصْلَحَةٍ اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ كَمَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ مَثَلَا فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ مِنْ مَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ وَكَذَا مِنْ مَصْلَحَةِ حِفْظِ الدِّينِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي كَوْنُهُ أَخَصَّ مِنْ الْمُتَضَمِّنِ لِمَصْلَحَةٍ مَا؛ لِأَنَّ الْمُتَضَمِّنَ لِمَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ أَخَصُّ مِنْ الْمُتَضَمِّنِ لِمَصْلَحَةٍ مَا وَلَيْسَ بِمُلَائِمٍ، حَتَّى لَوْ قِيلَ شُرِعَ هَذَا الْحُكْمُ لِمَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ لَمْ يَصِحَّ؛؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ بِالْمُنَاسِبِ دُونَ الْمُلَائِمِ وَمُجَرَّدُ حِفْظِ النَّفْسِ قَدْ لَا يَكُونُ مَصْلَحَةً كَمَا فِي الْجِهَادِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ خُصُوصِيَّةٍ اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ ثُمَّ الْجِنْسُ الَّذِي اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ قَدْ يَكُونُ قَرِيبًا لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَوْعِ الْوَصْفِ، وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ أَوْ أَكْثَرُ وَهَذَا مُتَصَاعِدٌ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْجِنْسَ الَّذِي هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْكُلِّ وَأَخَصُّ مِنْ الْمُتَضَمِّنِ لِحِفْظِ مَصْلَحَةِ النَّفْسِ مَثَلًا، وَكُلَّمَا كَانَ الْجِنْسُ أَقْرَبَ إلَى الْوَصْفِ أَيْ أَقَلَّ وَاسِطَةً وَأَشَدَّ خُصُوصِيَّةً كَانَ الْقِيَاسُ أَقْوَى وَبِالْقَبُولِ أَحْرَى لِكَوْنِهِ بِالتَّأْثِيرِ أَنْسَبَ وَإِلَى اعْتِبَار الشَّرْعِ أَقْرَبَ، قَالَ الْآمِدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ: إنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْوَصْفِ وَالْحُكْمِ أَجْنَاسًا عَالِيَةً وَقَرِيبَةً وَمُتَوَسِّطَةً فَالْجِنْسُ الْعَالِي لِلْحُكْمِ الْخَاصِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute