يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَقْوَى بِوَصْفٍ هُوَ تَابِعٌ فَبَيْنَهُمَا الْمُعَارَضَةُ وَالْقُوَّةُ الْمَذْكُورَةُ رُجْحَانٌ، وَإِنْ كَانَ أَقْوَى بِمَا هُوَ غَيْرُ تَابِعٍ لَا يُسَمَّى رُجْحَانًا، فَلَا يُقَالُ النَّصُّ رَاجِحٌ عَلَى الْقِيَاسِ مِنْ قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زِنْ وَأَرْجِحْ» .
(وَالْمُرَادُ الْفَضْلُ الْقَلِيلُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الرِّبَا فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ عَفْوًا) ؛ لِأَنَّهُ لِقِلَّتِهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقَابِلِ.
(وَالْعَمَلُ بِالْأَقْوَى وَتَرْكُ الْآخَرِ وَاجِبٌ فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى بِوَصْفٍ هُوَ تَابِعٌ وَفِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى بِمَا هُوَ غَيْرُ تَابِعٍ (وَإِذَا تَسَاوَيَا قُوَّةً) وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ بِمَا هُوَ غَيْرُ تَابِعٍ كَالنَّصِّ مَعَ الْقِيَاسِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى يُوصَفُ بِمَا هُوَ تَابِعٌ كَمَا
ــ
[التلويح]
إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ هُوَ التَّوَقُّفُ وَجَعْلُ الدَّلِيلَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ لَا يُلْزِمُ اجْتِمَاعَ النَّقِيضَيْنِ، أَوْ ارْتِفَاعَهُمَا، أَوْ التَّحَكُّمَ كَمَا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ شَيْءٍ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ.
وَالتَّرْجِيحُ فِي اللُّغَةِ جَعْلُ الشَّيْءِ رَاجِحًا أَيْ فَاضِلًا زَائِدًا وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى اعْتِقَادِ الرُّجْحَانِ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ بَيَانُ الرُّجْحَانِ أَيْ الْقُوَّةِ الَّتِي لِأَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: هُوَ اقْتِرَانُ الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ بِأَمْرٍ يَقْوَى بِهِ عَلَى مُعَارِضِهِ وَاشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا حَتَّى لَوْ قَوِيَ أَحَدُهُمَا بِمَا هُوَ غَيْرُ تَابِعٍ لَهُ لَا يَكُونُ رُجْحَانًا، فَلَا يُقَالُ: النَّصُّ رَاجِحٌ عَلَى الْقِيَاسِ لِعَدَمِ التَّعَارُضِ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ إظْهَارُ زِيَادَةِ أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَصْفًا لَا أَصْلًا مِنْ قَوْلِك رَجَّحْت الْوَزْنَ إذَا زِدْت جَانِبَ الْمَوْزُونِ حَتَّى مَالَتْ كِفَّتُهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ التَّمَاثُلِ أَوَّلًا، ثُمَّ ثُبُوتِ الزِّيَادَةِ بِمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ وَالْوَصْفِ بِحَيْثُ لَا تَقُومُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ ابْتِدَاءً، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ مُنْفَرِدًا عَنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ قَصْدًا فِي الْعَادَةِ. قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا تُسَمَّى زِيَادَةُ دِرْهَمٍ عَلَى الْعَشَرَةِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ رُجْحَانًا؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ تَقُومُ بِهِ لَا أَصْلًا وَتُسَمَّى زِيَادَةُ الْحَبَّةِ وَنَحْوِهَا رُجْحَانًا؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ لَا تَقُومُ بِهَا عَادَةً، وَهَذَا مِنْ «قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْوَزَّانِ حِينَ اشْتَرَى سَرَاوِيلَ بِدِرْهَمَيْنِ: زِنْ وَأَرْجِحْ، فَإِنَّا مَعَاشِرُ الْأَنْبِيَاءِ هَكَذَا نَزِنُ» فَمَعْنَى أَرْجِحْ زِدْ عَلَيْهِ فَضْلًا قَلِيلًا يَكُونُ تَابِعًا لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَوْصَافِ كَزِيَادَةِ الْجَوْدَةِ لَا قَدْرًا يُقْصَدُ بِالْوَزْنِ عَادَةً لِلُزُومِ الرِّبَا فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هِبَةً لِبُطْلَانِ هِبَةِ الْمُشَاعِ فَظَهَرَ أَنَّ جَعْلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْجَوْدَةِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بِتَحْقِيقِ مَعْنَى التَّبَعِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْعَمَلُ بِالْأَقْوَى) يَعْنِي إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ شَيْءٍ وَالْآخَرُ عَلَى انْتِفَائِهِ فَإِمَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ، أَوْ لَا وَعَلَى الثَّانِي إمَّا أَنْ تَكُونَ زِيَادَةُ أَحَدِهِمَا بِمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ، أَوْ لَا فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى مُعَارَضَةٌ، وَلَا تَرْجِيحَ. وَفِي الثَّانِيَةِ مُعَارَضَةٌ مَعَ تَرْجِيحٍ. وَفِي الثَّالِثَةِ لَا مُعَارَضَةَ حَقِيقَةً، فَلَا تَرْجِيحَ لِابْتِنَائِهِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute