فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي يَرْوِيهِ عَدْلٌ فَقِيهٌ مَعَ خَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي يَرْوِيهِ عَدْلٌ غَيْرُ فَقِيهٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ قُوَّةً فَفِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ الْعَمَلُ بِالْأَقْوَى وَتَرْكُ الْآخَرِ وَاجِبٌ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيَأْتِي حُكْمُهُ هُنَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَإِذَا تَسَاوَيَا قُوَّةً فَالْمُعَارَضَةُ تَخْتَصُّ بِالْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِمَعْزِلٍ عَنْهَا وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ بِالْأَقْوَى وَاجِبًا لَكِنْ لَا يُسَمَّى هَذَا تَرْجِيحًا فَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمُعَارَضَةِ فَيَخْتَصُّ بِالْقِسْمِ الثَّانِي.
(فَفِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) أَيْ فِي مُعَارَضَةِ الْكِتَابِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةِ السُّنَّةَ (يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى فَسْخِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ إذْ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْجَهْلِ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَقِيقَةَ التَّعَارُضِ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةٍ
ــ
[التلويح]
التَّعَارُضِ الْمُنْبِئِ عَنْ التَّمَاثُلِ، وَحُكْمُ الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ أَنْ يُعْمَلَ بِالْأَقْوَى وَيُتْرَكَ الْأَضْعَفُ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَقْوَى، وَأَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى أَعْنِي تَعَارُضَ الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقُوَّةِ سَوَاءٌ تَسَاوَيَا فِي الْعَدَدِ كَالتَّعَارُضِ بَيْنَ آيَةٍ وَآيَةٍ، أَوْ لَا كَالتَّعَارُضِ بَيْنَ آيَةٍ وَآيَتَيْنِ، أَوْ سُنَّةٍ وَسُنَّتَيْنِ، أَوْ قِيَاسَ وَقِيَاسَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ قَبِيلِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ إذْ لَا تَرْجِيحَ، وَلَا قُوَّةَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ حَتَّى لَا يُتْرَكَ الدَّلِيلُ الْوَاحِدُ بِالدَّلِيلَيْنِ فَحُكْمُهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّعَارُضُ بَيْنَ قِيَاسَيْنِ يُعْمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ آيَتَيْنِ، أَوْ قِرَاءَتَيْنِ، أَوْ سُنَّتَيْنِ قَوْلِيَّيْنِ، أَوْ فِعْلِيَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، أَوْ آيَةٍ وَسُنَّةٍ فِي قُوَّتِهَا كَالْمَشْهُورِ وَالْمُتَوَاتِرِ، فَإِنْ عَمَّ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا فَنَاسِخٌ إذْ لَوْ لَمْ يَصْلُحْ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخًا كَخَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْكِتَابِ، أَوْ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ، فَهُوَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ تَعَارُضِ التَّسَاوِي بَلْ الْمُتَقَدِّمُ رَاجِحٌ وَإِلَّا فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ مُخَلِّصٍ مِنْ الْحُكْمِ، أَوْ الْمَحَلِّ، أَوْ الزَّمَانِ فَذَاكَ وَإِلَّا يُتْرَكْ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلَيْنِ وَحِينَئِذٍ إنْ أَمْكَنَ الْمَصِيرُ مِنْ الْكِتَابِ، إلَى السُّنَّةِ، وَمِنْهَا إلَى الْقِيَاسِ وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ يُصَارُ إلَيْهِ وَإِلَّا تَقَرَّرَ الْحُكْمُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ الدَّلِيلَيْنِ، وَهَذَا مَعْنَى تَقْرِيرِ الْأُصُولِ. وَفِي الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النَّسْخَ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ، وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْإِجْمَاعِ وَبَيْنَ دَلِيلٍ آخَرَ قَطْعِيٍّ مِنْ نَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ إذْ لَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعٌ مُخَالِفٌ لِقَطْعِيٍّ، وَأَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْقِيَاسِ وَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ بَلْ هُمَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ يُعْمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ بِشَرْطِ التَّحَرِّي كَمَا فِي الْقِيَاسَيْنِ، وَعِنْدَ مَنْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ الصَّحَابِيِّ، وَلَوْ لَمْ يُدْرَكْ بِالْقِيَاسِ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، أَوَّلًا، ثُمَّ إلَى الْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ مِنْ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ سُنَّتَيْنِ فَالْمَيْلُ إلَى أَقْوَالِ الصَّحَابِيِّ، وَإِنْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا فَالْمَيْلُ إلَى الْقِيَاسِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْقِيَاسِ وَبَيْنَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ.
مِثَالُ الْمَصِيرِ إلَى السُّنَّةِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْآيَتَيْنِ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute