للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ التَّعَارُضُ إذَا اتَّحَدَ زَمَانُ وُرُودِهِمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّارِعَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ مُنَزَّهٌ عَنْ تَنْزِيلِ دَلِيلَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ بَلْ يُنَزِّلُ أَحَدَهُمَا سَابِقًا وَالْآخَرَ مُتَأَخِّرًا نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ لَكِنَّا لَمَّا جَهِلْنَا الْمُتَقَدِّمَ وَالْمُتَأَخِّرَ تَوَهَّمْنَا التَّعَارُضَ لَكِنْ فِي الْوَاقِعِ لَا تَعَارُضَ. فَقَوْلُهُ: يُحْمَلُ ذَلِكَ الْإِشَارَةُ تَرْجِعُ إلَى التَّعَارُضِ وَالْمُرَادُ صُورَةُ التَّعَارُضِ وَهِيَ وُرُودُ دَلِيلَيْنِ يَقْتَضِي أَحَدُهُمَا عَدَمَ مَا يَقْتَضِيهِ الْآخَرُ.

(فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ) جَوَابٌ لِشَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ يَكُونُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ (وَإِلَّا يُطْلَبْ الْمُخَلِّصُ) أَيْ يَدْفَعُ الْمُعَارَضَةَ (وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَا أَمْكَنَ وَيُسَمَّى عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ فَإِنْ تَيَسَّرَ فِيهَا وَإِلَّا يُتْرَكْ وَيُصَارُ مِنْ الْكِتَابِ إلَى السُّنَّةِ وَمِنْهَا إلَى الْقِيَاسِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَإِلَّا يَجِبُ تَقْرِيرُ الْأَصْلِ عَلَى مَا كَانَ فِي سُؤْرِ

ــ

[التلويح]

تَعَارَضَا فَصِرْنَا إلَى قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» .

وَمِثَالُ الْمَصِيرِ إلَى الْقِيَاسِ عِنْدَ تَعَارُضِ السُّنَّتَيْنِ مَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ كَمَا تُصَلُّونَ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» تَعَارَضَا فَصِرْنَا إلَى الْقِيَاسِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهَاهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ بَلْ بِقُوَّتِهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي جَانِبٍ آيَةٌ وَفِي جَانِبٍ آيَتَانِ، أَوْ فِي جَانِبٍ حَدِيثٌ وَفِي الْآخَرِ حَدِيثَانِ لَا يُتْرَكُ الْآيَةُ الْوَاحِدَةُ، أَوْ الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ بَلْ يُصَارُ مِنْ الْكِتَابِ إلَى السُّنَّةِ، وَمِنْ السُّنَّةِ إلَى الْقِيَاسِ إذْ لَا تَرْجِيحَ بِالْكَثْرَةِ وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَرْجِيحُ الْآيَةِ وَالسُّنَّةِ عَلَى الْآيَتَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَدِيثُ مُوَافِقًا لِلْآيَةِ الْوَاحِدَةِ، وَكَذَا تَرْجِيحُ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ عَلَى حَدِيثَيْنِ، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ تَقَوِّي الْآيَةِ بِالسُّنَّةِ، أَوْ تَقَوِّي السُّنَّةِ بِالْقِيَاسِ، فَإِذَا جَازَ تَقَوِّي الدَّلِيلِ بِمَا هُوَ دُونَهُ فَلِمَ لَا يَجُوزُ تَقَوِّيهِ بِمَا هُوَ مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ تَسَاقُطِ الْمُتَعَارِضَيْنِ وَوُقُوعِ الْعَمَلِ بِالسُّنَّةِ، أَوْ الْقِيَاسِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ فَلِمَ لَا يَجُوزُ تَسَاقُطُ الْآيَتَيْنِ وَوُقُوعُ الْعَمَلِ بِالْآيَةِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَكَذَا فِي السُّنَّةِ. وَغَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأَدْنَى يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ لِلْأَقْوَى فَيُرَجِّحُهُ بِخِلَافِ الْمُمَاثِلِ، أَوْ يُقَالَ: إنَّ الْقِيَاسَ يُعْتَبَرُ مُتَأَخِّرًا عَنْ السُّنَّةِ وَالسُّنَّةَ عَنْ الْكِتَابِ فَالْمُتَعَارَضَانِ يَتَسَاقَطَانِ وَيَقَعُ الْعَمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ التَّعَارُضُ إذَا اتَّحَدَ زَمَانُ وُرُودِهِمَا) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ تَعَارُضَ الدَّلِيلَيْنِ وَتَنَاقُضَ الْقَضِيَّتَيْنِ مَوْقُوفٌ عَلَى اتِّحَادِ زَمَانِ وُرُودِهِمَا وَالتَّكَلُّمِ بِهِمَا عَلَى مَا سَبَقَ إلَى بَعْضِ الْأَوْهَامِ الْعَامِّيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِاتِّحَادِ الزَّمَانِ فِي التَّنَاقُضِ زَمَانُ التَّكَلُّمِ بِالْقَضِيَّتَيْنِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ زَمَانُ نِسْبَةِ الْقَضِيَّتَيْنِ حَتَّى لَوْ قِيلَ فِي زَمَانٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>