(وَفِي الثَّانِيَةِ ضِدُّ الْعَقْدِ) أَيْ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ: قَوْله تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة: ٨٩] بِاللَّغْوِ ضِدِّ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ اقْتِرَانِهِ بِالْعَقْدِ.
(وَالْعَقْدُ قَوْلٌ يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] فَاللَّغْوُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَخْلُو عَنْ الْفَائِدَةِ وَقَدْ جَاءَ اللَّغْوُ بِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ فَاللَّغْوُ يَكُونُ شَامِلًا لِلْغَمُوسِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَتَقْتَضِي هَذِهِ الْآيَةُ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْغَمُوسِ وَالْآيَةُ الْأُولَى تَقْتَضِي الْمُؤَاخَذَةَ فِي الْغَمُوسِ؛ لِأَنَّ الْغَمُوسَ مِنْ كَسْبِ
ــ
[التلويح]
وَالْتُزِمَ الْحُكْمُ بِسَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إهْدَارُ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا حُكِمَ بِبَقَاءِ الطَّهُورِيَّةِ وَإِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقَارُبِ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ، أَوْ الطَّهُورِيَّةِ وَعَدَمِهَا يُشِيرُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ صَرَّحَ أَوَّلًا بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَأَشَارَ ثَانِيًا إلَى أَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهُورِيَّةِ حَيْثُ قَالَ وَلَا يُزِيلُ الْحَدَثَ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي زَوَالِ الْحَدَثِ فَظَهَرَ أَنَّ لَيْسَ مَعْنَى الشَّكِّ أَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلَا مَظْنُونٍ بَلْ مَعْنَاهُ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ وَوُجُوبُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ حَيْثُ لَا مَاءَ سِوَاهُ، ثُمَّ ضَمَّ التَّيَمُّمَ إلَيْهِ، وَهَذَا حُكْمٌ مَعْلُولٌ، وَكَذَا الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ لَا يُورِثُ الِاشْتِبَاهَ كَمَا إنْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِطَهَارَتِهِ وَآخَرُ بِنَجَاسَتِهِ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ، وَلَا إشْكَالَ فِي حُرْمَةِ لَحْمِهِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْحُرْمَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى إذْ الْحِمَارُ يُرْبَطُ فِي الدُّورِ وَالْأَفْنِيَةِ فَيَشْرَبُ مِنْ الْأَوَانِي إلَّا أَنَّ الْهِرَّةَ تَدْخُلُ الْمَضَايِقَ فَتَكُونُ الضَّرُورَةُ فِيهَا أَشَدَّ فَالْحِمَارُ لَمْ يَبْلُغْ فِي الضَّرُورَةِ حَدَّ الْهِرَّةِ حَتَّى يُحْكَمَ بِطَهَارَةِ سُؤْرِهِ، وَلَا فِي عَدَمِ الضَّرُورَةِ حَدَّ الْكَلْبِ حَتَّى يُحْكَمَ بِنَجَاسَةِ سُؤْرِهِ فَبَقِيَ أَمْرُهُ مُشْكِلًا، وَهَذَا أَحْوَطُ مِنْ الْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُضَمُّ إلَى التَّيَمُّمِ فَيَلْزَمُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الطَّهُورِ احْتِمَالًا.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ إمَّا بَيْنَ آيَتَيْنِ، أَوْ قِرَاءَتَيْنِ) يَعْنِي فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ كَقِرَاءَتَيْ الْجَرِّ وَالنَّصْبِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: ٦] ، فَإِنَّ الْأُولَى تَقْتَضِي مَسْحَ الرِّجْلِ وَالثَّانِيَةَ غَسْلَهَا عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ.
فَإِنْ قِيلَ: الْجَرُّ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ عَطْفًا عَلَى الْمَغْسُولِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ وَمَاءُ شَنٍّ بَارِدٍ وَقَوْلِ زُهَيْرٍ:
لَعِبَ الرِّيَاحُ بِهَا وَغَيَّرَهَا ... بَعْدِي سَوَافِي الْمَوْرِ وَالْقَطْرِ
، فَإِنَّ الْقَطْرَ مَعْطُوفٌ عَلَى سَوَافِي وَالْجَرُّ بِالْجِوَارِ وَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:
فَهَلْ أَنْتَ إنْ مَاتَتْ أَتَانُكَ رَاكِبٌ ... إلَى آلِ بِسْطَامِ بْنِ قَيْسٍ فَخَاطِبٍ
بِخَفْضِ خَاطِبٍ عَلَى الْجِوَارِ مَعَ عَطْفِهِ عَلَى رَاكِبٍ عُورِضَ بِأَنَّ النَّصْبَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute