الْقَلْبِ وَالْمُؤَاخَذَةُ ثَابِتَةٌ فِي كَسْبِ الْقَلْبِ فَوَقَعَ التَّعَارُضُ فِي الْغَمُوسِ، وَهَذَا مَا قَالَهُ فِي الْمَتْنِ.
(فَاللَّغْوُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ يَشْمَلُ الْغَمُوسَ إذْ هُوَ مَا يَخْلُو عَنْ الْفَائِدَةِ كَقَوْلِهِ: تَعَالَى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} [مريم: ٦٢] : وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ} [القصص: ٥٥] فَأَوْجَبَ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ فَوَقَعَ التَّعَارُضُ فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْأُولَى فِي الْآخِرَةِ بِدَلِيلِ اقْتِرَانِهِ بِكَسْبِ الْقَلْبِ وَفِي الثَّانِيَةِ فِي الدُّنْيَا أَيْ بِالْكَفَّارَةِ فَقَالَ فَكَفَّارَتُهُ. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْمِلُ الْمُؤَاخَذَةَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ فِي الثَّانِيَةِ أَيْ فِي الدُّنْيَا)
أَيْ يَحْمِلُ الْمُؤَاخَذَةَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ الْمُؤَاخَذَةُ فِي الدُّنْيَا حَتَّى أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ. (وَالْعَقْدَ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى كَسْبِ الْقَلْبِ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْأُولَى) أَيْ يَحْمِلُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْعَقْدَ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى كَسْبِ الْقَلْبِ حَتَّى يَكُونَ اللَّغْوُ هُوَ عَيْنُ اللَّغْوِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى، وَهُوَ السَّهْوُ، فَلَا يَكُونُ التَّعَارُضُ وَاقِعًا لَكِنْ مَا قُلْنَا أَوْلَى مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّ عَلَى مَذْهَبِهِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْعَقْدُ مُجْرًى عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ
ــ
[التلويح]
الْمَحَلِّ جَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ كَمَا قَوْلُهُ:
يَذْهَبْنَ فِي نَجْدٍ وَغَوْرًا غَائِرًا
عَلَى مَا هُوَ اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ النُّحَاةِ، وَهُوَ إعْرَابٌ شَائِعٌ مُسْتَفِيضٌ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَطْفِ عَلَى الْأَقْرَبِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الْفَصْلِ بِالْأَجْنَبِيِّ. وَالْوَجْهُ أَنَّهُ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ مَعْطُوفٌ عَلَى رُءُوسِكُمْ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْحِ فِي الرِّجْلِ هُوَ الْغَسْلُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦] إذْ الْمَسْحُ يُضْرَبُ لَهُ غَايَةٌ فِي الشَّرْعِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ:
قُلْت اُطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا
وَفَائِدَتُهُ التَّحْذِيرُ عَنْ الْإِسْرَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إذْ الْأَرْجُلُ مَظِنَّةُ الْإِسْرَافِ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا فَعُطِفَتْ عَلَى الْمَمْسُوحِ لَا لِتُمْسَحَ لَكِنْ لِيُنَبِّهَ عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِصَارِ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ غَسْلًا خَفِيفًا شَبِيهًا بِالْمَسْحِ فَالْمَسْحُ الْمُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْغَسْلِ هُوَ الْمُقَدَّرُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْوَاوُ، فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَغْسِلُونَ أَرْجُلَهُمْ فِي الْوُضُوءِ مَعَ أَنَّ فِي الْغَسْلِ مَسْحًا وَزِيَادَةً إذْ لَا إسَالَةَ بِدُونِ الْإِصَابَةِ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوُضُوءِ هُوَ التَّطْهِيرُ وَذَلِكَ فِي الْغَسْلِ، وَمَسْحُ الرَّأْسِ خَلَفٌ عَنْهُ تَخْفِيفًا فَفِي إيثَارِ الْغَسْلِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَمُوَافَقَةٌ لِلْجَمَاعَةِ وَتَحْصِيلٌ لِلطَّهَارَةِ وَخُرُوجٌ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُخَلِّصُ) يَعْنِي قَدْ اُعْتُبِرَ فِي التَّعَارُضِ اتِّحَادُ الْحُكْمِ وَالْمَحَلِّ وَالزَّمَانِ، فَإِذَا تَسَاوَى الْمُتَعَارِضَانِ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَقْوِيَةُ أَحَدِهِمَا يُطْلَبُ الْمُخَلِّصُ مِنْ قِبَلِ الْحُكْمِ، أَوْ الْمَحَلِّ، أَوْ الزَّمَانِ بِأَنْ يُدْفَعَ اتِّحَادُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ أَيْ الْمُخَلِّصُ مِنْ قِبَلِ الْحُكْمِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: التَّوْزِيعُ بِأَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ أَفْرَادِ الْحُكْمِ ثَابِتًا بِأَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ وَبَعْضَهَا مَنْفِيًّا بِالْآخَرِ كَقِسْمَةِ الْمُدَّعَى بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ بِحُجَّتَيْهِمَا.
وَثَانِيهِمَا: التَّغَايُرُ بِأَنْ يُبَيِّنَ مُغَايَرَةَ مَا ثَبَتَ بِأَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ لِمَا انْتَفَى