للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ نَافٍ فَإِنَّهُ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْحِلِّ الْأَصْلِيِّ وَالْإِحْرَامُ حَالَةٌ مَخْصُوصَةٌ تُدْرَكُ عِيَانًا فَكِلَاهُمَا سَوَاءٌ فَرُجِّحَ بِالرَّاوِي وَرُوِيَ أَنَّهُ الْمُحْرِمُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَلَا يَعْدِلُهُ يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ وَنَحْوُهُ) هَذَا نَظِيرُ النَّفْيِ الَّذِي يُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ.

اعْلَمْ أَنَّ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ جَائِزٌ عِنْدَنَا تَمَسُّكًا بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ، وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَتَمَسَّكَ الْخَصْمُ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَزَوَّجَ، وَهُوَ حَلَالٌ» وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْحِلِّ الْأَصْلِيِّ

ــ

[التلويح]

مِنْ الشَّارِعِ إعْلَامًا بِأَنْ يَرِدَ دَلِيلٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، أَوْ دَلَالَةً بِأَنْ يُرْشِدَ الشَّارِعُ الْعَبْدَ بِعَقْلِهِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي لَمْ يُعْلِمْ الشَّارِعُ بِالْحَرَجِ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ وَعَدَمِ الْحَرَجِلَمْ يُعْلِمْ الشَّارِعُ بِعَدَمِ الْحَرَجِ فِيهِ لِيَكُونَ حَشْوًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَلْ يَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَدُلَّ الشَّارِعُ فَاعِلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بِأَنْ يُدْرِكَ ذَلِكَ بِعَقْلِهِ، وَهَذَا كَلَامٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الثَّانِي، وَهُوَ التَّوَقُّفُ بِمَعْنَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ حُكْمًا لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا فَبَاطِلٌ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ فِعْلٍ حُكْمًا إمَّا بِالْمَنْعِ عَنْهُ، أَوْ بِعَدَمِ الْمَنْعِ وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ، وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْمَنْعِ وَالْحُكْمِ بِعَدَمِ الْمَنْعِ حَتَّى يَمْتَنِعَ ارْتِفَاعُهُمَا وَإِنَّمَا التَّنَاقُضُ بَيْنَ الْحُكْمِ وَعَدَمِ الْحُكْمِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْإِبَاحَةَ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ التَّوَقُّفُ بِمَعْنَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّ حُكْمَهُ الْإِبَاحَةُ أَوْ الْحَظْرُ فَحَقٌّ إذْ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ مِنْ الشَّارِعِ، وَلَا مَجَالَ مِنْ الْعَقْلِ، وَهَذَا يُسَاوِي الْقَوْلَ بِالْإِبَاحَةِ مِنْ جِهَةِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَا عِقَابَ عَلَى الْفِعْلِ، وَلَا عَلَى التَّرْكِ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُتَوَقِّفِ هُوَ أَنَّهُ لَا عِلْمَ بِالْعِقَابِ وَعَدَمِهِ. وَعَدَمُ الْقَوْلِ بِالْعِقَابِ أَعَمُّ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْعِقَابِ فَكَيْفَ يَتَسَاوَيَانِ؟ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا عِقَابَ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْعِقَابِ قَوْلٌ بِالْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنَاهَا عَلَى مَا فَسَّرَهَا، فَلَا تَوَقُّفَ.

(قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى جَعْلِ الْمُحَرِّمِ نَاسِخًا لِلْمُبِيحِ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانَ الْأَصْلُ الْإِبَاحَةَ.

(قَوْلُهُ: فَالْمُثْبِتُ أَوْلَى) إذْ لَوْ جَعَلَ الْبَاقِيَ أَوْلَى يَلْزَمُ تَكَرُّرُ النَّسْخِ بِتَغْيِيرِ الْمُثْبِتِ لِلنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، ثُمَّ النَّافِي لِلْإِثْبَاتِ وَأَيْضًا الْمُثْبِتُ يَشْتَمِلُ عَلَى زِيَادَةِ عِلْمٍ كَمَا فِي تَعَارُضِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ بِجَعْلِ الْجَرْحِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الْمُثْبِتَ مُؤَسِّسٌ وَالنَّافِيَ مُؤَكِّدٌ وَالتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنْ التَّوْكِيدِ وَعَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ أَنَّ النَّافِيَ كَالْمُثْبِتِ، وَإِنَّمَا يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَقَدْ دَلَّ بَعْضُ الْمَسَائِلِ عَلَى تَقْدِيمِ الْمُثْبِتِ وَبَعْضُهَا عَلَى تَقْدِيمِ النَّافِي فَلِذَا احْتَاجَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى بَيَانِ ضَابِطٍ فِي تَسَاوِيهِمَا وَتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَهُوَ أَنَّ النَّفْيَ إنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ فَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ وَإِلَّا فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ بِالدَّلِيلِ تَسَاوَيَا، وَإِنْ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ يُنْظَرُ لِيُتَبَيَّنَ الْأَمْرُ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي بَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>