(وَيَلْزَمُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ إيجَابِ الْفَضْلِ عَلَى الْمُتَعَدِّي (نِسْبَةُ الْجَوْرِ ابْتِدَاءً إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ) الْمُرَادُ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَنْ يَكُونَ بِلَا وَاسِطَةِ فِعْلِ الْعَبْدِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ إيجَابِ الْقِيمَةِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِيمَةُ عَدْلٍ، وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّفَاوُتُ إنَّمَا يَقَعُ لِعَجْزِنَا عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فَإِنْ وَقَعَ فِيهِ جَوْرٌ، فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْعَبْدِ أَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فِي التَّفَاوُتِ فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الْمُتَقَوِّمَ لَا يُمَاثِلُ الْمَنْفَعَةَ، فَلَوْ وَجَبَ يَكُونُ التَّفَاوُتُ مُضَافًا إلَى الشَّارِعِ وَذَا لَا يَجُوزُ.
(أَمَّا عَدَمُ الضَّمَانِ فَمُضَافٌ إلَى عَجْزِنَا عَنْ الدَّرْكِ) أَيْ إنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الضَّمَانِ فَإِنَّمَا نَقُولُ بِهِ لِعَجْزِنَا عَنْ دَرْكِ الْمِثْلِ فَإِنْ وَقَعَ جَوْرٌ يَكُونُ مَنْسُوبًا إلَيْنَا لَا إلَى الشَّارِعِ فَهَذَا أَوْلَى ثُمَّ أَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ: وَلِأَنَّ إهْدَارَ الْوَصْفِ أَسْهَلُ إلَخْ بِقَوْلِهِ: (وَلِأَنَّ الْوَصْفَ وَإِنْ قَلَّ فَائِتٌ أَصْلًا بِلَا بَدَلٍ وَالْأَصْلُ وَإِنْ عَظُمَ فَائِتٌ إلَى ضَمَانٍ فِي دَارِ الْجَزَاءِ فَكَانَ هَذَا تَأْخِيرًا وَالْأَوَّلُ إبْطَالًا) وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْوَصْفَ، وَهُوَ كَوْنُ الْمُمَاثَلَةِ تَامَّةً يَفُوتُ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِلَا بَدَلٍ، وَالْأَصْلُ وَهُوَ حَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي الْمِثْلِ يَفُوتُ إلَى بَدَلٍ يَصِلُ إلَيْهِ فِي دَارِ الْجَزَاءِ فَهَذَا الْفَوْتُ تَأْخِيرٌ وَالْأَوَّلُ وَهُوَ فَوْتُ الْوَصْفِ إبْطَالٌ فَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى.
(وَضَمَانُ الْعَقْدِ قَدْ يَثْبُتُ بِالتَّرَاضِي مَعَ عَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ) جَوَابٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ
ــ
[التلويح]
إلَى الْأَصْلِ، فَلَا اخْتِلَافَ إلَّا بِحَسَبِ الِاعْتِبَارِ وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا مِنْ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ إذَا قَرَّرْته فِي مَسْأَلَةٍ إلَّا وَتَبَيَّنَ بِهِ إمْكَانُ تَقْرِيرِ النَّوْعَيْنِ الْآخَرَيْنِ فِيهِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْحَاشِيَةِ إذَا كَانَ التَّأْثِيرُ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ جِنْسَ الْوَصْفِ، أَوْ نَوْعَهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ، فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِشَهَادَةِ الْأَصْلِ فَقُوَّةُ الثَّبَاتِ حِينَئِذٍ يَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ، وَإِذَا كَانَ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ جِنْسِ الْوَصْفِ، أَوْ نَوْعِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ، أَوْ نَوْعِهِ فَأَحَدُهُمَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ فَبَيْنَهَا عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِذَا قَالَ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ الْعَكْسُ) مَعْنَى الِاطِّرَادِ فِي الْعِلَّةِ أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وُجِدَ الْحُكْمُ وَمَعْنَى الِانْعِكَاسِ أَنَّهُ كُلَّمَا انْتَفَتْ الْعِلَّةُ انْتَفَى الْحُكْمُ كَمَا فِي الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ، وَهَذَا اصْطِلَاحٌ مُتَعَارَفٌ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيَّنَ الْمُنَاسَبَةَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَازِمٌ لِلْعَكْسِ الْمُتَفَاهَمِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ الْعَامِّ حَيْثُ يَقُولُونَ: كُلُّ إنْسَانٍ ضَاحِكٌ وَبِالْعَكْسِ أَيْ كُلُّ ضَاحِكٍ إنْسَانٌ فَقَوْلُنَا كُلَّمَا انْتَفَى الْوَصْفُ انْتَفَى الْحُكْمُ لَازِمٌ لِقَوْلِنَا كُلَّمَا وُجِدَ الْحُكْمُ وُجِدَ الْوَصْفُ لِأَنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ مُسْتَلْزِمٌ لِانْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ وَهُوَ عَكْسٌ عُرْفِيٌّ لِقَوْلِنَا كُلَّمَا وُجِدَ الْوَصْفُ وُجِدَ الْحُكْمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَكْسًا مَنْطِقِيًّا.
(قَوْلُهُ: مَبِيعُ عَيْنٍ) أَيْ مُتَعَيِّنٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ. الْوَصْفُ هُوَ تَعَيُّنُ الْمَبِيعِ وَالْحُكْمُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ قَبْضِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْوَصْفِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ، وَفِي السَّلَمِ لِئَلَّا يَلْزَمَ بَيْعُ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّرْفِ هُوَ النُّقُودُ وَهِيَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ فَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute