الْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبِ وَرَدِّ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَالْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا) فَإِنَّ رَدَّ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يُعَيَّنَ أَنَّ هَذَا الرَّدَّ رَدُّ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ، وَكَذَا لَا يَجِبُ التَّعْيِينُ فِي رَدِّ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا، وَكَذَا فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الْبِرَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنًا، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْيِينُ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِأَجْلِ الْبِرِّ.
(وَكَمَنَافِعِ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: مَا يُضْمَنُ بِالْعَقْدِ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ تَحْقِيقًا لِلْجَبْرِ بِالْمِثْلِ تَقْرِيبًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ، فَهُوَ عَلَى الْمُعْتَدِي) أَيْ إنْ كَانَ الْمِثْلُ التَّقْرِيبِيُّ، وَهُوَ الضَّمَانُ مُمَاثِلًا فِي الْحَقِيقَةِ لِتِلْكَ الْمَنَافِعِ، فَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمَاثِلًا فِي الْحَقِيقَةِ يَكُونُ الْمِثْلُ التَّقْرِيبِيُّ أَفْضَلَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ الْبَاقِيَةَ خَيْرٌ مِنْ الْأَعْرَاضِ الْغَيْرِ بَاقِيَةٍ، وَهَذَا الْفَضْلُ عَلَى الْمُتَعَدِّي أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ حَقِّ الْمَظْلُومِ اللَّازِمِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُجُوبِ الضَّمَانِ (وَلِأَنَّ إهْدَارَ الْوَصْفِ أَسْهَلُ مِنْ إهْدَارِ الْأَصْلِ) يَعْنِي إنْ أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ لَا يَلْزَمُ إلَّا إهْدَارُ كَوْنِ الْمُمَاثَلَةِ تَامَّةً وَإِنْ لَمْ نُوجِبْ الضَّمَانَ يَلْزَمُ إهْدَارُ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي الْمِثْلِ بِالْكُلِّيَّةِ فِي الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ فَالْأَوَّلُ أَسْهَلُ مِنْ هَذَا.
(قُلْنَا التَّقْيِيدُ بِالْمِثْلِ وَاجِبٌ فِي كُلِّ بَابٍ كَالْأَمْوَالِ كُلِّهَا وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا وَوَضْعُ الضَّمَانِ عَنْ الْمَعْصُومِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ) أَيْ عَدَمُ إيجَابِ الضَّمَانِ فِي إتْلَافِ الْمَالِ الْمَعْصُومِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ (كَإِتْلَافِ الْعَادِلِ مَالَ الْبَاغِي وَالْحَرْبِيِّ مَالَ الْمُسْلِمِ وَالْفَضْلُ عَلَى الْمُتَعَدِّي غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] .
ــ
[التلويح]
وَبِالْمِثْلِ تَقْرِيبًا) وَذَلِكَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ كَالْعَيْنِ وَالتَّفَاوُتُ الْحَاصِلُ بِالْعَيْنِيَّةِ وَالْعَرَضِيَّةِ مَجْبُورٌ بِكَثْرَةِ الْأَجْزَاءِ فِي جَانِبِ الْمَنْفَعَةِ لِظُهُورِ أَنَّ مَنْفَعَةَ شَهْرٍ وَاحِدٍ أَكْثَرُ أَجْزَاءً مِنْ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَاسْتَوَيَا قِيمَةً وَبَقِيَ التَّفَاوُتُ فِيمَا وَرَاءَ الْقِيمَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّفَاوُتِ فِي الْحِنْطَةِ مِنْ حَيْثُ الْحَبَّاتُ وَاللَّوْنُ، وَهَذَا مَعْنَى الْمِثْلِ تَقْرِيبًا.
(قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ مِنْهُ نِسْبَةُ الْجَوْرِ ابْتِدَاءً إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ) لِأَنَّهُ الَّذِي يُوجِبُ الْأَحْكَامَ حَقِيقَةً، وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَهُوَ نَائِبُ الشَّارِعِ.
(قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ) التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا جِنْسُ الْوَصْفِ، أَوْ نَوْعُهُ كَتَأْثِيرِ وَصْفِ الْمَسْحِ فِي التَّخْفِيفِ يُوجَدُ فِي التَّيَمُّمِ وَمَسْحِ الْخُفِّ وَالْجَبِيرَةِ فَيُرَجَّحُ عَلَى تَأْثِيرِ وَصْفِ الرُّكْنِيَّةِ فِي التَّثْلِيثِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغُسْلِ فَقَطْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْأُصُولِ تُوجِبُ زِيَادَةَ تَوْكِيدٍ وَلُزُومَ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَيَحْدُثُ فِيهِ قُوَّةٌ مُرَجِّحَةٌ كَمَا يَحْصُلُ لِلْخَبَرِ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ قُوَّةٌ وَزِيَادَةُ اتِّصَالٍ فَيَصِيرُ مَشْهُورًا مَعَ أَنَّ الْحُجَّةَ هُوَ الْخَبَرُ لَا كَثْرَةُ الرُّوَاةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الثَّانِي) أَيْ قُوَّةُ ثَبَاتِ الْوَصْفِ عَلَى الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِلُزُومِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ بِأَنْ يُوجَدَ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ بَلْ التَّحْقِيقُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ رَاجِعَةٌ إلَى قُوَّةِ التَّأْثِيرِ لَكِنَّ شِدَّةَ الْأَثَرِ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَصْفِ وَقُوَّةَ الثَّبَاتِ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ وَكَثْرَةَ الْأُصُولِ بِالنَّظَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute