للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَصِحُّ عِنْدَنَا.

(هُوَ يُرَجِّحُ الْفَسَادَ بِكَوْنِهِ عِبَادَةً وَنَحْنُ نُرَجِّحُ الصِّحَّةَ بِكَوْنِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ فَالتَّرْجِيحُ بِالْكَثْرَةِ تَرْجِيحٌ بِالذَّاتِ وَذَلِكَ بِالْعَارِضِيِّ) وَذَلِكَ لِأَنَّ بَعْضَ الصَّوْمِ وَقَعَ فَاسِدًا لِعَدَمِ النِّيَّةِ فَإِنَّهُ لَا عِبَادَةَ بِدُونِ النِّيَّةِ وَالْبَعْضُ وَقَعَ صَحِيحًا لِوُجُودِ النِّيَّةِ لَكِنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ فَإِمَّا أَنْ يَفْسُدَ الْكُلُّ وَإِمَّا أَنْ يَصِحَّ الْكُلُّ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُرَجِّحُ الْفَاسِدَ عَلَى الصَّحِيحِ بِوَصْفِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّ وَصْفَ الْعِبَادَةِ يُوجِبُ الْفَسَادَ، وَهُوَ وَصْفٌ عَارِضِيٌّ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْعِبَادَةِ لِلْإِمْسَاكِ عَارِضِيٌّ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ بَلْ صَارَ عِبَادَةً بِجَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الْإِمْسَاكِ وَنَحْنُ نُرَجِّحُ الصَّحِيحَ عَلَى الْفَاسِدِ بِكَوْنِ النِّيَّةِ وَاقِعَةً فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَالتَّرْجِيحُ بِالْكَثْرَةِ تَرْجِيحٌ بِالْوَصْفِ الذَّاتِيِّ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ وَصْفٌ يَقُومُ بِالْكَثِيرِ بِحَسَبِ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ وَصْفًا ذَاتِيًّا إذْ الْمُرَادُ بِالْوَصْفِ الذَّاتِيِّ وَصْفٌ يَقُومُ بِالشَّيْءِ بِحَسَبِ ذَاتِهِ، أَوْ بِحَسَبِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ وَالْوَصْفُ الْعَارِضِيُّ وَصْفٌ يَقُومُ بِالشَّيْءِ بِحَسَبِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ، (وَذَكَرُوا لَهُ أَمْثِلَةً أُخْرَى وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ) .

(فَصْلٌ وَمِنْ التَّرَاجِيحِ الْفَاسِدَةِ التَّرْجِيحُ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ كَقَوْلِهِ)

أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَنَّ الْأَخَ الْمُشْتَرَى لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُ: (الْأَخُ يُشْبِهُ الْوَلَدَ بِوَجْهٍ، وَهُوَ الْمَحْرَمِيَّةُ وَابْنَ الْعَمِّ بِوُجُوهٍ كَحِلِّ الزَّكَاةِ وَحِلِّ زَوْجَتِهِ وَقَبُولِ

ــ

[التلويح]

أَوْ الْمُلَاءَمَةِ وَحِينَئِذٍ لِمَ لَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا بِمَا يُفِيدُ زِيَادَةَ ظَنٍّ، أَوْ يَكُونُ بَعِيدًا عَنْ الْخِلَافِ؟ وَأَمَّا عِنْدَ تَأْثِيرِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَلَا نِزَاعَ فِي تَقْدِيمِ الْمُؤَثِّرِ، وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَكْثَرَ، أَوْ أَعَمَّ، أَوْ أَبْسَطَ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ فِي قَوْلِهِ: عِلَّةً ذَاتَ جُزْءٍ تَسَامُحًا إذْ لَا تَرْكِيبَ مِنْ أَقَلَّ مِنْ جُزْأَيْنِ فَكَأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ مَعْنًى وَاحِدًا لَا جُزْءَ لَهُ.

(قَوْلُهُ: لَهُمَا أَنَّ كُلَّ دَلِيلٍ) يَعْنِي أَنَّ التَّرْجِيحَ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ وَذَلِكَ بِمَا يَصْلُحُ وَصْفًا وَتَبَعًا لِلدَّلِيلِ لَا بِمَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِالتَّأْثِيرِ إذْ تَقَوِّي الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بِصِفَةٍ تُوجَدُ فِي ذَاتِهِ وَيَكُونُ تَبَعًا لَهُ، وَأَمَّا مَا يَسْتَقِلُّ، فَلَا يَحْصُلُ لِلْغَيْرِ قُوَّةٌ بِانْضِمَامِهِ إلَيْهِ بَلْ يَكُونُ: كُلٌّ مِنْهُمَا مُعَارِضًا لِلدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ عَلَى خِلَافِهِ فَيَتَسَاقَطُ الْكُلُّ بِالتَّعَارُضِ، وَهَذَا مَعْنَى تَسَاوِي وُجُودِ الْغَيْرِ وَعَدَمِهِ وَرُبَّمَا يُقَالُ: سَلَّمْنَا أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْقُوَّةِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لِلدَّلِيلِ بِانْضِمَامِ الْغَيْرِ إلَيْهِ وَصْفٌ يَتَقَوَّى بِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُوَافِقًا لِلدَّلِيلِ الْآخَرِ وَمُوجِبًا لِزِيَادَةِ الظَّنِّ.

(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) فِي الْأَخِيرِ، وَهُوَ مَا إذَا تَرَكَ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدَهُمَا أَخٌ لَهُ مِنْ أُمٍّ بِأَنْ تَزَوَّجَ عَمُّهُ أُمَّهُ فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا فَعِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْأَخِ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي قَرَابَةِ الْأَبِ، وَقَدْ تَرَجَّحَتْ قَرَابَةُ الْأَخِ لِأُمٍّ بِانْضِمَامِ قَرَابَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَتَرَجَّحُ بِالزِّيَادَةِ مِنْ جِنْسِهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ وَالْأُخُوَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>