فِي مَفْهُومِهِ اعْتِبَارًا أَوَّلِيًّا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأُخْرَوِيُّ وَإِنْ كَانَ يَتْبَعُهُ الْمَقْصُودُ الدُّنْيَوِيُّ كَتَفْرِيغِ الذِّمَّةِ وَنَحْوِهِ.
(أَمَّا الْأَوَّلُ) أَيْ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَقَاصِدُ الدُّنْيَوِيَّةُ. (فَالْمَقْصُودُ الدُّنْيَوِيُّ فِي الْعِبَادَاتِ تَفْرِيغُ الذِّمَّةِ وَفِي الْمُعَامَلَاتِ الِاخْتِصَاصَاتُ الشَّرْعِيَّةُ) فَكَوْنُ الْفِعْلِ مُوَصِّلًا إلَى الْمَقْصُودِ الدُّنْيَوِيِّ يُسَمَّى صِحَّةً وَكَوْنُهُ بِحَيْثُ لَا يُوَصِّلُ إلَيْهِ أَصْلًا يُسَمَّى بُطْلَانًا وَكَوْنُهُ بِحَيْثُ يَقْتَضِي أَرْكَانُهُ وَشَرَائِطُهُ الْإِيصَالَ إلَيْهِ لَا أَوْصَافُهُ الْخَارِجِيَّةُ يُسَمَّى فَسَادًا، ثُمَّ فِي الْمُعَامَلَاتِ أَحْكَامٌ أُخَرُ مِنْهَا الِانْعِقَادُ، وَهُوَ ارْتِبَاطُ أَجْزَاءِ التَّصَرُّفِ شَرْعًا فَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ مُنْعَقِدٌ لَا صَحِيحٌ
ــ
[التلويح]
لَفْظُ الْحُكْمِ عَلَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ بِمَعْنَى أَنَّهُمَا ثَبَتَا بِخِطَابِ الشَّارِعِ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الِانْعِقَادِ وَالنَّفَاذِ وَاللُّزُومِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ أَمْثَالَ ذَلِكَ رَاجِعَةٌ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ، فَإِنَّ مَعْنَى صِحَّةِ الْبَيْعِ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ وَمَعْنَى بُطْلَانِهِ حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَبَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ حُكْمٌ بِتَعَلُّقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ تَعَلُّقًا زَائِدًا عَلَى التَّعَلُّقِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلِّ حُكْمٍ، وَهُوَ تَعَلُّقُهُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ حَكَمَ بِتَعَلُّقِ الصِّحَّةِ بِهَذَا الْفِعْلِ وَتَعَلُّقِ الْبُطْلَانِ أَوْ الْفَسَادِ بِذَلِكَ. وَبَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهَا أَحْكَامٌ عَقْلِيَّةٌ لَا شَرْعِيَّةٌ، فَإِنَّ الشَّارِعَ إذَا شَرَّعَ الْبَيْعَ لِحُصُولِ الْمِلْكِ وَبَنَى شَرَائِطَهُ وَأَرْكَانَهُ فَالْعَقْلُ يَحْكُمُ بِكَوْنِهِ مُوَصِّلًا إلَيْهِ عِنْدَ تَحَقُّقِهَا وَغَيْرَ مُوَصِّلٍ عِنْدَ عَدَمِ تَحَقُّقِهَا بِمَنْزِلَةِ الْحُكْمِ بِكَوْنِ الشَّخْصُ مُصَلِّيًا، أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ. فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا الصِّحَّةُ وَالْبُطْلَانُ وَالْفَسَادُ مَعَانٍ مُتَقَابِلَةٌ حَاصِلُهَا أَنَّ: الصَّحِيحَ مَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ. وَالْبَاطِلَ مَا لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ، وَلَا بِوَصْفِهِ. وَالْفَاسِدَ مَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الصَّحِيحُ مَا اُسْتُجْمِعَ أَرْكَانُهُ وَشَرَائِطُهُ بِحَيْثُ يَكُونُ مُعْتَبَرًا شَرْعًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ. وَالْفَاسِدُ مَا كَانَ مَشْرُوعًا فِي نَفْسِهِ فَائِتَ الْمَعْنَى مِنْ وَجْهٍ لِمُلَازَمَةِ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ إيَّاهُ بِحُكْمِ الْحَالِ مَعَ تَصَوُّرِ الِانْفِصَالِ فِي الْجُمْلَةِ. وَالْبَاطِلُ مَا كَانَ فَائِتَ الْمَعْنَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ إمَّا لِانْعِدَامِ مَعْنَى التَّصَرُّفِ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، أَوْ لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْمُتَصَرِّفِ كَبَيْعِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَقَدْ يُطْلَقُ الْفَاسِدُ عَلَى الْبَاطِلِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْبَاطِلُ وَالْفَاسِدُ اسْمَانِ مُتَرَادِفَانِ لِمَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَهَذَا اصْطِلَاحٌ لَا مَعْنَى لِلِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَتْ الصِّحَّةُ عِبَارَةً عَنْ كَوْنِ الْفِعْلِ مُوَصِّلًا إلَى الْمَقْصُودِ لَمْ تَكُنْ مُقَابِلَةً لِلْفَسَادِ بَلْ أَعَمَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْفَاسِدَةَ تُوجِبُ تَفْرِيغَ الذِّمَّةِ بِحَيْثُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ يُوجِبُ الْمِلْكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا بَلْ نَافِذًا لِتَرَتُّبِ الْأَثَرِ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ النَّافِذُ أَعَمُّ مِنْ اللَّازِمِ وَالْمُنْعَقِدُ أَعَمُّ مِنْ النَّافِذِ، وَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالنَّافِذِ
(قَوْلُهُ: فَالْفِعْلُ فَرْضٌ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِالْحُرْمَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute