ثُمَّ النَّفَاذُ، وَهُوَ تَرَتُّبُ الْأَثَرِ عَلَيْهِ كَالْمِلْكِ فَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ مُنْعَقِدٌ لَا نَافِذٌ، ثُمَّ اللُّزُومُ كَوْنُهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ.
(وَأَمَّا الثَّانِي) أَيْ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَقَاصِدُ الْأُخْرَوِيَّةُ (فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمًا أَصْلِيًّا) أَيْ غَيْرَ مَبْنِيٍّ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ (أَوْ لَا يَكُونَ: أَمَّا الْأَوَّلُ) ، وَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ (فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ أَوْلَى مِنْ التَّرْكِ مَعَ مَنْعِهِ) أَيْ مَعَ مَنْعِ التَّرْكِ (فَإِنْ كَانَ هَذَا) أَيْ كَوْنُ الْفِعْلِ أَوْلَى مِنْ التَّرْكِ مَعَ مَنْعِ التَّرْكِ (بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ) فَالْفِعْلُ فَرْضٌ وَبِظَنِّيٍّ وَاجِبٌ، وَبِلَا مَنْعِهِ فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ طَرِيقَةً مَسْلُوكَةً فِي الدِّينِ فَسُنَّةٌ وَإِلَّا فَنَفْلٌ، وَمَنْدُوبٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ أَيْ إنْ كَانَ التَّرْكُ
ــ
[التلويح]
وَالْوُجُوبِ وَنَحْوِهِمَا هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَالْحُكْمُ الَّذِي بِمَعْنَى الْخِطَابِ إنَّمَا هُوَ الْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ وَنَحْوُهُمَا، وَاَلَّذِي هُوَ بِمَعْنَى أَثَرِ الْخِطَابِ هُوَ الْوُجُوبُ وَالْحُرْمَةُ وَنَحْوُهُمَا، وَهَذَا التَّقْسِيمُ وَقَعَ لِلْفِعْلِ أَوَّلًا بِالذَّاتِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ تَقْسِيمُ الْحُكْمِ، وَكَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ تَعْرِيفُ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَعْرِيفُ الْفَرْضِيَّةِ وَالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ وَنَحْوِهَا وَمَعْنَى أَوْلَوِيَّةٍ الْفِعْلِ، أَوْ التَّرْكِ أَوْلَوِيَّتُهُ عِنْدَ الشَّارِعِ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى دَلِيلِهِ. وَفِي إطْلَاقِ الْأَوْلَوِيَّةِ عَلَى مَا هُوَ لَازِمٌ يَمْتَنِعُ نَقِيضُهُ كَالْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ نَوْعُ تَسَامُحٍ، وَالْمُرَادُ بِاسْتِوَاءِ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ فِي الْمُبَاحِ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي نَظَرِ الشَّارِعِ بِأَنْ يُحْكَمَ بِذَلِكَ صَرِيحًا، أَوْ دَلَالَةً بِقَرِينَةِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَيَخْرُجُ فِعْلُ الْبَهَائِمِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَإِنْ قُلْت: جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَقَاصِدُ الْأُخْرَوِيَّةُ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ التَّعْرِيفَاتِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ.
قُلْت: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ التَّعْرِيفَاتُ الْمَذْكُورَةُ رُسُومًا لَا حُدُودًا، وَلَوْ سَلِمَ فَفِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَالِاسْتِوَاءِ إشَارَةٌ إلَى مَعْنَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ يَكُونُ الْوُجُوبُ وَالْحُرْمَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِ مَا هُوَ أَثَرٌ لِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ لَا صِفَةٌ لَهُ كَإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ الثَّابِتَةِ بِالْبَيْعِ وَحُرْمَةِ الْوَطْءِ الثَّابِتَةِ بِالطَّلَاقِ.
قُلْت: هِيَ مِنْ صِفَاتِهِ أَيْضًا إذْ الِانْتِفَاعُ وَالْوَطْءُ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِ الْحُكْمِ صِفَةً لِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَأَثَرًا لَهُ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْحُكْمَ الْغَيْرَ الْأَصْلِيِّ أَعْنِي الَّذِي يُبْتَنَى عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ أَيْضًا يَتَّصِفُ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ كَالرُّخْصَةِ الْوَاجِبَةِ، أَوْ الْمَنْدُوبَةِ، أَوْ الْمُبَاحَةِ، فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْصِيصِ بِالْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ.
(قَوْلُهُ: فَالْفَرْضُ لَازِمٌ عِلْمًا) أَيْ يَلْزَمُ اعْتِقَادُ حَقِّيَّتِهِ وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهِ لِثُبُوتِهِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ حَتَّى لَوْ أَنْكَرَهُ قَوْلًا، أَوْ اعْتِقَادًا كَانَ كَافِرًا وَالْوَاجِبُ لَا يَلْزَمُ اعْتِقَادُ حَقِّيَّتِهِ لِثُبُوتِهِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَمَبْنَى الِاعْتِقَادِ عَلَى الْيَقِينِ لَكِنْ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِمُوجَبِهِ لِلدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الظَّنِّ فَجَاحِدُهُ لَا يُكَفَّرُ وَتَارِكُ الْعَمَلِ بِهِ إنْ كَانَ مُؤَوِّلًا لَا يُفَسَّقُ، وَلَا يُضَلَّلُ؛ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ فِي مَظَانِّهِ مِنْ سِيرَةِ السَّلَفِ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مُسْتَخِفًّا يُضَلَّلُ؛ لِأَنَّ رَدَّ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ بِدْعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَوِّلًا، وَلَا مُسْتَخِفًّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute