أَوْلَى مِنْ الْفِعْلِ (مَعَ مَنْعِ الْفِعْلِ فَحَرَامٌ وَبِلَا مَنْعِهِ فَمَكْرُوهٌ وَإِنْ اسْتَوَيَا فَمُبَاحٌ. فَالْفَرْضُ لَازِمٌ عِلْمًا وَعَمَلًا حَتَّى يُكَفَّرَ جَاحِدُهُ وَالْوَاجِبُ لَازِمٌ عَمَلًا لَا عِلْمًا، فَلَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ بَلْ يُفَسَّقُ إنْ اسْتَخَفَّ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ الْغَيْرِ الْمُؤَوَّلَةِ، وَأَمَّا مُؤَوِّلًا، فَلَا وَيُعَاقَبُ تَارِكُهُمَا) أَيْ تَارِكُ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ (إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ، وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الْكِتَابِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ)
فِي أَنَّ الْكِتَابَ نُقِلَ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ وَخَبَرَ الْوَاحِدِ لَمْ يُنْقَلْ كَذَلِكَ (يُوجِبُ التَّفَاوُتَ بَيْنَ مَدْلُولَيْهِمَا) فَيَكُونُ الْحُكْمُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ مُحْكَمُ الْكِتَابِ ثَابِتًا يَقِينًا وَالْحُكْمُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ مُحْكَمُ خَبَرِ
ــ
[التلويح]
يُفَسَّقُ لِخُرُوجِهِ عَنْ الطَّاعَةِ بِتَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَيُعَاقَبُ تَارِكُ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ لِلْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى وَعِيدِ الْعُصَاةِ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، أَوْ بِتَوْبَةِ الْعَاصِي وَنَدَمِهِ لِلنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ وَلِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجُوزُ لَهُ الْعَفْوُ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا عَفْوَ، وَلَا غُفْرَانَ بِدُونِ التَّوْبَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ وُجُوبِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ: وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ) لَا نِزَاعَ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَفَاوُتِ مَفْهُومَيْ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي تَفَاوُتِ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ كَمُحْكَمِ الْكِتَابِ وَمَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ كَمُحْكَمِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الشَّرْعِ، فَإِنَّ جَاحِدَ الْأَوَّلِ كَافِرٌ دُونَ الثَّانِي وَتَارِكَ الْعَمَلِ بِالْأَوَّلِ مُؤَوِّلًا فَاسِقٌ دُونَ الثَّانِي، وَإِنَّمَا يَزْعُمُ أَنَّ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ مَنْقُولَانِ مِنْ مَعْنَاهُمَا اللُّغَوِيِّ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ هُوَ مَا يُمْدَحُ فَاعِلُهُ وَيُذَمُّ تَارِكُهُ شَرْعًا سَوَاءٌ ثَبَتَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، أَوْ ظَنِّيٍّ، وَهَذَا مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ، فَلَا مَعْنَى لِلِاحْتِجَاجِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْكِتَابِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ يُوجِبُ التَّفَاوُتَ بَيْنَ مَدْلُولَيْهِمَا، أَوْ بِأَنَّ الْفَرْضَ فِي اللُّغَةِ التَّقْدِيرُ، وَالْوُجُوبَ هُوَ السُّقُوطُ. فَالْفَرْضُ مَا عُلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ مُقَدَّرٌ عَلَيْنَا وَالْوَاجِبُ مَا سَقَطَ عَلَيْنَا بِطَرِيقِ الظَّنِّ، فَلَا يَكُونُ الْمَظْنُونُ مُقَدَّرًا، وَلَا مَعْلُومُ الْقَطْعِيِّ سَاقِطًا عَلَيْنَا.
عَلَى أَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: لَوْ سَلِمَ مُلَاحَظَةُ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ، فَلَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ أَنْ يَثْبُتَ كَوْنُ الشَّيْءِ مُقَدَّرًا عَلَيْنَا بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَكَوْنُهُ سَاقِطًا عَلَيْنَا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ أَلَا يُرَى إلَى قَوْلِهِمْ: الْفَرْضُ أَيْ الْمَفْرُوضُ الْمُقَدَّرُ فِي الْمَسْحِ هُوَ الرُّبُعُ وَأَيْضًا الْحَقُّ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الثُّبُوتُ، وَأَمَّا مَصْدَرُ الْوَاجِبِ بِمَعْنَى السَّاقِطِ وَالْمُضْطَرِبِ، فَإِنَّمَا هُوَ الْوَجْبَةُ وَالْوَجِيبُ، ثُمَّ اسْتِعْمَالُ الْفَرْضِ فِيمَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَالْوَاجِبِ فِيمَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ شَائِعٌ مُسْتَفِيضٌ كَقَوْلِهِمْ: الْوِتْرُ فَرْضٌ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ فَرْضٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيُسَمَّى فَرْضًا عَمَلِيًّا وَكَقَوْلِهِمْ: الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ يُطْلَقُ الْوَاجِبُ عِنْدَنَا عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ أَيْضًا فَلَفْظُ الْوَاجِبِ يَقَعُ عَلَى مَا هُوَ فَرْضٌ عِلْمًا وَعَمَلًا كَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَعَلَى ظَنِّيٍّ هُوَ فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute