للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِتِلْكَ الشُّبْهَةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ شُبْهَةِ الْحَقِيقَةِ لِيَكُونَ لِلْجَزَاءِ شُبْهَةُ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ لِيَكُونَ الْبِرُّ مَضْمُونًا.

(وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْأَحْكَامِ سَبَبًا ظَاهِرًا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ فَسَبَبُ وُجُودِ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى حُدُوثُ الْعَالَمِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا السَّبَبُ فِي الْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ مَوْجُودًا دَائِمًا يَصِحُّ إيمَانُ الصَّبِيِّ وَإِنْ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ وَلِلصَّلَاةِ الْوَقْتُ عَلَى مَا مَرَّ وَلِلزَّكَاةِ مِلْكُ الْمَالِ) .

اعْلَمْ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبَبِيَّةِ النِّصَابِ لِلزَّكَاةِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ تَكَرُّرَ الْوُجُوبِ بِتَكَرُّرِ وَصْفٍ يَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ وَهُنَا الْوُجُوبُ يَتَكَرَّرُ بِالْحَوْلِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَوْلُ سَبَبًا لَا النِّصَابُ فَلِدَفْعِ هَذَا الْإِشْكَالِ قَالَ: (إلَّا أَنَّ الْغِنَى لَا يَكْمُلُ إلَّا بِمَالٍ

ــ

[التلويح]

مُضَافَةٌ إلَى إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ شَارِعُ الشَّرَائِعِ إجْمَاعًا، فَلَوْ أُضِيفَتْ إلَى أَسْبَابٍ أُخَرَ لَزِمَ تَوَارُدُ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ وَأَيْضًا لَوْ كَانَتْ الْمَذْكُورَاتُ عِلَلًا وَأَسْبَابًا لَمَا انْفَكَّتْ الْأَحْكَامُ عَنْهَا، وَلَمْ تَتَوَقَّفْ عَلَى إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ خَاصَّةً إذْ الْمَقْصُودُ فِيهَا الْفِعْلُ فَقَطْ وَوُجُوبُهُ بِالْخِطَابِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ، فَإِنَّهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى أَفْعَالِ الْعِبَادِ فَيَجُوزُ أَنْ يُضَافَ وُجُوبُ أَدَاءِ الْأَمْوَالِ وَتَسْلِيمِ النَّفْسِ لِلْعُقُوبَاتِ إلَى الْأَسْبَابِ وَنَفْسُ الْوُجُوبِ إلَى الْخِطَابِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ شَارِعَ الشَّرَائِعِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ وَأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِإِيجَابِ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّا نُضِيفُ ذَلِكَ إلَى مَا هُوَ سَبَبٌ فِي الظَّاهِرِ بِجَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى الْأَحْكَامَ مُتَرَتِّبَةً عَلَيْهَا تَيْسِيرًا وَتَسْهِيلًا عَلَى الْعِبَادِ لِيَتَوَصَّلُوا بِذَلِكَ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ بِمَعْرِفَةِ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ عَلَى أَنَّهَا أَمَارَاتٌ وَعَلَامَاتٌ لَا مُؤَثِّرَاتٌ وَبَعْضُ ذَلِكَ قَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ كَالْبَيْعِ لِلْمِلْكِ وَالْقَتْلِ لِلْقِصَاصِ وَالزِّنَا لِلْحَدِّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَإِلَى مَا ذَكَرْنَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: سَبَبًا ظَاهِرًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ عَلَى مَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ.

(قَوْلُهُ: فَسَبَبُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى) أَيْ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ بِوُجُودِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّقْلُ وَشَهِدَ بِهِ الْعَقْلُ هُوَ حُدُوثُ الْعَالَمِ أَيْ كَوْنُ جَمِيعِ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ عَالَمًا؛ لِأَنَّهُ عَلَمٌ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ بِهِ يُعْلَمُ ذَلِكَ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ وُجُوبَ الْإِيمَانِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ نُسِبَ إلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ وَقَطْعًا لِحُجَجِ الْمُعَانِدِينَ وَإِلْزَامًا لَهُمْ لِئَلَّا يَكُونَ لَهُمْ تَشَبُّثٌ بِعَدَمِ ظُهُورِ السَّبَبِ.

وَمَعْنَى سَبَبِيَّةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ لَا لِوُجُودِ الصَّانِعِ، أَوْ وَحْدَانِيِّتِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أَزَلِيٌّ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَادِثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ مُحْدِثًا صَانِعًا قَدِيمًا غَنِيًّا عَمَّا سِوَاهُ وَاجِبًا لِذَاتِهِ قَطْعًا لِلتَّسَلْسُلِ، ثُمَّ وُجُوبُ الْوُجُودِ يُنْبِئُ عَنْ جَمِيعِ الْكَمَالَاتِ وَيَنْفِي جَمِيعَ النُّقْصَانَاتِ لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْحُدُوثُ الزَّمَانِيُّ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>