مِنْ تَكْذِيبِهِ وَرَفْعِ إنْكَارِهِ بِمَنْزِلَةِ الْكَافِرِ.
(وَعَلَى هَذَا) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَلَامَةَ لَيْسَتْ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الْعِلَّةُ.
(قَالَا إنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ فِرَاشٍ) أَيْ فِي الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا (وَلَا حَبَلٍ ظَاهِرٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ غَيْرِ فِرَاشٍ (وَلَا إقْرَارٍ بِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَا حَبَلٍ أَيْ بِلَا إقْرَارِ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ (لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ) هُنَا (أَيْ فِي شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ) إلَّا تَعْيِينُ الْوَلَدِ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ فِيهِ أَيْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ مَقْبُولَةٌ فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ، (فَأَمَّا النَّسَبُ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ السَّابِقِ فَيَكُونُ انْفِصَالُهُ عَلَامَةً لِلْعُلُوقِ السَّابِقِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ ظَاهِرٌ كَانَ النَّسَبُ مُضَافًا إلَى الْوِلَادَةِ فَشَرَطَ لِإِثْبَاتِهَا كَمَالَ الْحُجَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ) ،
وَهُوَ إمَّا الْفِرَاشُ وَإِمَّا الْحَبَلُ الظَّاهِرُ وَإِمَّا إقْرَارُ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ.
(وَإِذَا عُلِّقَ بِالْوِلَادَةِ طَلَاقٌ تُقْبَلُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ عَلَيْهَا فِي حَقِّهِ) أَيْ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ (عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ الْوِلَادَةُ بِهَا
ــ
[التلويح]
الْآيَةَ، فَإِذَا كَانَ الْعَجْزُ عَلَامَةً فِي حَقِّ رَدِّ الشَّهَادَةِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْجَلْدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ الْجَلْدُ عَلَى الْعَجْزِ لَا سِيَّمَا أَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا} [النور: ٤] عَطْفٌ عَلَى: {يَرْمُونَ} [النور: ٤] فَيَكُونُ شَرْطًا مِثْلَهُ كَمَا إذَا قِيلَ: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، ثُمَّ كَلَّمْتِ زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ كَانَ تَكَلُّمُ زَيْدٍ شَرْطًا لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ جَمِيعًا مِثْلَ الدُّخُولِ فِي الدَّارِ، فَلَوْ جَعَلَ مُجَرَّدَ الدُّخُولِ شَرْطًا فِي حَقِّ الْعِتْقِ لَزِمَ إلْغَاءُ الشَّرْطِ الثَّانِي فِي حَقِّهِ قُلْنَا لَوْ سَلِمَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: وَلَا تَقْبَلُوا عَطْفٌ عَلَى: فَاجْلِدُوهُمْ لَا عَلَى مَجْمُوعِ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ، فَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْعَجْزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَغْوًا فِي حَقِّ رَدِّ الشَّهَادَةِ لِمَا لَاحَ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ فِي حَقِّهِ عَلَامَةٌ لَا شَرْطٌ حَقِيقِيٌّ، وَفِي حَقِّ الْجَلْدِ شَرْطٌ لَا عَلَامَةٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقَذْفَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرَةٌ فَيَكْفِي فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ. وَتَقَدُّمُ الْجَلْدِ عَلَى الْعَجْزِ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ شَرْطًا.
(قَوْلُهُ: قُلْنَا) يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَذْفَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرَةٌ مُوجِبَةٌ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ بَلْ هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جِنَايَةً فَيَكُونَ فِسْقًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ حِسْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى مَنْعًا لِلْفَاحِشَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرَةً وَفَاحِشَةً لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ مَقْبُولَةً أَصْلًا.
فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا احْتَمَلَ الْحِسْبَةَ، وَلَمْ يَكُنْ جِنَايَةً مَحْضَةً كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ الْحَدُّ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ.
قُلْنَا: هُوَ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حِسْبَةً إلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا إلَّا أَنْ يُوجَدَ الشُّهُودُ فِي الْبَلَدِ، فَإِذَا مَضَى زَمَانٌ يَتَمَكَّنُ مِنْ إحْضَارِ الشُّهُودِ، وَهُوَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَهُوَ الْمَجْلِسُ الثَّانِي فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَمْ يُحْضِرْهُمْ صَارَ الْقَذْفُ كَبِيرَةً مُقْتَصِرَةً عَلَى الْحَالِ لَا مُسْتَنِدَةً إلَى الْأَصْلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَذْفٌ وَلَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ إلَّا