دَلِيلٍ، فَإِنْ قِيلَ احْتِمَالُ الْمَجَازِ الَّذِي فِي الْخَاصِّ ثَابِتٌ فِي الْعَامِّ مَعَ احْتِمَالٍ آخَرَ، وَهُوَ احْتِمَالُ التَّخْصِيصِ فَيَكُونُ الْخَاصُّ رَاجِحًا فَالْخَاصُّ كَالنَّصِّ وَالْعَامُّ كَالظَّاهِرِ، قُلْنَا: لَمَّا كَانَ الْعَامُّ مَوْضُوعًا لِلْكُلِّ كَانَ إرَادَةُ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، وَكَثْرَةُ احْتِمَالَاتِ الْمَجَازِ لَا اعْتِبَارَ لَهَا فَإِذَا كَانَ لَفْظٌ خَاصٍّ لَهُ مَعْنًى وَاحِدٌ مَجَازِيٌّ، وَلَفْظٌ خَاصٌّ آخَرُ لَهُ مَعْنَيَانِ مَجَازِيَّانِ أَوْ أَكْثَرُ وَلَا قَرِينَةَ لِلْمَجَازِ أَصْلًا، فَإِنَّ اللَّفْظَيْنِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِلَا تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي فَعُلِمَ أَنَّ احْتِمَالَ الْمَجَازِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَا قَرِينَةَ لَهُ مُسَاوٍ لِاحْتِمَالِ مَجَازَاتٍ كَثِيرَةٍ لَا قَرِينَةَ لَهَا، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّخْصِيصَ الَّذِي يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْعَامِّ شَائِعٌ بِلَا قَرِينَةٍ فَإِنَّ الْمُخَصِّصَ إذَا كَانَ هُوَ الْعَقْلُ أَوْ نَحْوَهُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَلَا يُورِثُ شُبْهَةً فَإِنَّ كُلَّ مَا يُوجِبُ الْعَقْلَ كَوْنُهُ غَيْرَ دَاخِلٍ لَا يَدْخُلُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَامِّ وَإِنْ كَانَ الْمُخَصِّصُ هُوَ الْكَلَامُ، فَإِنْ كَانَ مُتَرَاخِيًا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُخَصِّصٌ، بَلْ هُوَ نَاسِخٌ. بَقِيَ الْكَلَامُ فِي الْمُخَصِّصِ الَّذِي لَا يَكُونُ مَوْصُولًا وَقَلِيلٌ مَا هُوَ.
(وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ تَعَارُضَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ حُمِلَ عَلَى الْمُقَارَنَةِ) مَعَ أَنَّ فِي الْوَاقِعِ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ، وَالْآخَرَ مَنْسُوخٌ لَكِنْ لَمَّا جَهِلْنَا النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ حَمَلْنَا عَلَى الْمُقَارَنَةِ وَإِلَّا يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ.
(فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ــ
[التلويح]
الْقِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مَوْصُولٍ بِالْعَامِّ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَ الْخَصْمِ بِالتَّخْصِيصِ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ الْمُسَمَّيَاتِ سَوَاءٌ كَانَ بِغَيْرِ مُسْتَقِلٍّ أَوْ بِمُسْتَقِلٍّ مَوْصُولٍ أَوْ مُتَرَاخٍ، وَلَا شَكَّ فِي شُيُوعِهِ وَكَثْرَتِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى فَإِذَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي إطْلَاقِ اسْمِ التَّخْصِيصِ عَلَى مَا يَكُونُ بِغَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ، أَوْ بِالْمُسْتَقِلِّ الْمُتَرَاخِي فَلَهُ أَنْ يَقُولَ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ شَائِعٌ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّ أَكْثَرَ الْعُمُومَاتِ مَقْصُورٌ عَلَى الْبَعْضِ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ فِي تَنَاوُلِ الْحُكْمِ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ فِي الْعَامِّ سَوَاءٌ ظَهَرَ لَهُ مُخَصِّصٌ أَمْ لَا، وَيَصِيرُ دَلِيلًا عَلَى احْتِمَالِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا يَكُونُ قَطْعِيًّا وَالْمُصَنِّفُ تَوَهَّمَ أَنَّ مُرَادَ الْخَصْمِ أَنَّ التَّخْصِيصَ شَائِعٌ فِي الْعَامِّ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ فِي تَنَاوُلِهِ لِجَمِيعِ مَا بَقِيَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ فَلَا يَكُونُ قَطْعِيًّا، وَلِهَذَا قَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّخْصِيصَ الَّذِي يُورِثُ شُبْهَةً فِي الْعَامِّ شَائِعٌ بِلَا قَرِينَةٍ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ التَّخْصِيصَ أَيْ: الْقَصْرَ عَلَى الْبَعْضِ شَائِعٌ كَثِيرًا فِي الْعُمُومِيَّاتِ بِالْقَرَائِنِ الْمُخَصِّصَةِ فَيُورِثُ شُبْهَةَ الْبَعْضِيَّةِ فِي كُلِّ عَامٍّ فَيَصِيرُ ظَنِّيًّا فِي الْجَمِيعِ وَحِينَئِذٍ لَا يَنْطَبِقُ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ عَلَيْهِ أَصْلًا وَلَا يَكُونُ لِقَوْلِهِ بِلَا قَرِينَةِ مَعْنًى، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُخَصِّصُ هُوَ الْكَلَامُ، فَإِنْ كَانَ مُتَرَاخِيًا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُخَصِّصٌ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْمُخَصِّصِ الْأَوَّلِ مَا أَرَادَهُ الْخَصْمُ، وَحِينَئِذٍ لَا فَائِدَةَ فِي مَنْعِ كَوْنِهِ مُخَصِّصًا بِالْمَعْنَى الْآخَرِ الْأَخَصِّ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا) أَيْ: كَوْنُ الْعَامِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute