سَابِقٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَمُجَرَّدُ الْقَذْفِ يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ لَمْ يُجْلَدْ، وَعِنْدَنَا لَا تَسْقُطُ شَهَادَتُهُ بِمُجَرَّدِ الْقَذْفِ بَلْ إنَّمَا تَسْقُطُ إذَا تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْجَلْدُ.
(بِخِلَافِ الْجَلْدِ إذْ هُوَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ) أَيْ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْجَلْدِ سَابِقًا عَنْ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا مَرَدَّ لَهُ فَإِنْ أُقِيمَ الْجَلْدُ قَبْلَ الْعَجْزِ فَرُبَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَمَّا عَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يُمْكِنُ سَبْقُهُ فَإِنْ تَحَقَّقَ الْعَجْزُ يَظْهَرُ أَنَّ عَدَمَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ كَانَ ثَابِتًا حِينَ الْقَذْفِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَجْزُ يَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ وَكَانَ صَادِقًا فِي ذَلِكَ الْقَذْفِ.
(قُلْنَا الْقَذْفُ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ كَبِيرَةً فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ مَقْبُولَةٌ حِسْبَةً) أَيْ حِسْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى، (وَهُوَ) أَيْ الْقَذْفُ (لَا يَحِلُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ الشُّهُودُ، فَإِذَا مَضَى زَمَانٌ يَتَمَكَّنُ مِنْ إحْضَارِهِمْ، وَلَمْ يُحْضِرْهُمْ صَارَ كَبِيرَةً فَيَكُونُ الْعَجْزُ شَرْطًا) أَيْ لِرَدِّ الْقَاضِي شَهَادَةَ الرَّامِي (وَالْعِفَّةُ أَصْلٌ لَكِنْ لَا تَصْلُحُ لِإِثْبَاتِ رَدِّ الشَّهَادَةِ)
ــ
[التلويح]
وُجُودٌ شَرْعِيٌّ إنْ وُجِدَ بِجَمِيعِ أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِهِ مَعَ أَوْصَافٍ أُخَرَ مُعْتَبَرَةٍ فِي الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا ذَاتِيَّةٌ لَهَا فَهُوَ صَحِيحٌ بِالْأَصْلِ وَالْوَصْفِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالصَّحِيحِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنْ وُجِدَتْ الْأَرْكَانُ وَالشَّرَائِطُ دُونَ الْأَوْصَافِ الْمُعْتَبَرَةِ الْغَيْرِ الذَّاتِيَّةِ كَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ يُسَمَّى فَاسِدًا مِنْ قَوْلِهِمْ فَسَدَ الْجَوْهَرُ إذَا ذَهَبَ رَوْنَقُهُ وَطَرَاوَتُهُ وَبَقِيَ أَصْلُهُ وَإِنْ انْتَفَى شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ يُسَمَّى بَاطِلًا كَبَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ لِانْتِفَاءِ الرُّكْنِ وَكَالنِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ وَكَثِيرًا مَا يُطْلَقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَمَا قَالُوا: بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ فَاسِدٌ أَيْ بَاطِلٌ وَأَطْلَقُوا عَلَى الْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ تَارَةً لَفْظَ الْفَاسِدِ وَأُخْرَى لَفْظَ الْبَاطِلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمَحْكُومُ بِهِ إمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى) الْمُرَادُ بِحَقِّ اللَّهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّفْعُ الْعَامُّ مِنْ غَيْرِ اخْتِصَاصٍ بِأَحَدٍ فَيُنْسَبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِعِظَمِ خَطَرِهِ وَشُمُولِ نَفْعِهِ وَإِلَّا فَبِاعْتِبَارِ التَّخْلِيقِ الْكُلُّ سَوَاءٌ فِي الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: ٢٨٤] وَبِاعْتِبَارِ التَّضَرُّرِ أَوْ الِانْتِفَاعِ هُوَ مُتَعَالٍ عَنْ الْكُلِّ وَمَعْنَى حَقِّ الْعَبْدِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ خَاصَّةٌ كَحُرْمَةِ مَالِ الْغَيْرِ فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ قِسْمٌ آخَرُ اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ عَلَى التَّسَاوِي فِي اعْتِبَارِ الشَّارِعِ (قَوْلُهُ أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَثَمَانِيَةٌ: عِبَادَاتٌ خَالِصَةٌ كَالْإِيمَانِ) وَعُقُوبَاتٌ خَالِصَةٌ كَالْحُدُودِ وَقَاصِرَةٌ كَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَحُقُوقٌ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَالْكَفَّارَاتِ وَعِبَادَاتٌ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَمُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ كَالْعُشْرِ وَمُؤْنَةٌ فِيهَا شُبْهَةُ الْعُقُوبَةِ كَالْخَرَاجِ وَحَقٌّ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ كَخُمْسِ الْغَنَائِمِ وَذَلِكَ بِحُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute