للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْأَصْلَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِثْبَاتِ بَلْ لِلدَّفْعِ فَقَطْ.

(ثُمَّ إنْ أَتَى بِالْبَيِّنَةِ) عَلَى الزِّنَا مِنْ غَيْرِ تَقَادُمِ الْعَهْدِ (بَعْدَمَا جُلِدَ يَبْطُلُ رَدُّ شَهَادَتِهِ وَيُحَدُّ الزَّانِي وَإِنْ تَقَادَمَ الْعَهْدُ) أَيْ إنْ أَتَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الزِّنَا بَعْدَمَا جُلِدَ الرَّامِي لَكِنْ بَعْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ (يُبْطِلُ الرَّدَّ) أَيْ رَدَّ شَهَادَةِ الرَّامِي (وَلَا يُثْبِتُ الْحَدَّ) أَيْ حَدَّ الزِّنَا عَلَى الْمَقْذُوفِ؛ لِأَنَّ تَقَادُمَ الْعَهْدِ صَارَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ.

(بَابُ الْمَحْكُومُ بِهِ وَهُوَ قِسْمَانِ مَا لَيْسَ لَهُ إلَّا وُجُودٌ حِسِّيٌّ وَمَا لَهُ وُجُودٌ آخَرُ شَرْعِيٌّ فَالْأَوَّلُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِحُكْمٍ آخَرَ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَالزِّنَا فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَهُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ، وَكَالْأَكْلِ، وَنَحْوِهِ، وَكَذَا الثَّانِي كَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ، وَهُوَ سَبَبٌ لِحُكْمٍ آخَرَ، وَهُوَ الْمِلْكُ، وَكَالصَّلَاةِ) الْمَحْكُومُ بِهِ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ قِسْمَانِ: مَا لَيْسَ لَهُ إلَّا وُجُودٌ حِسِّيٌّ كَالزِّنَا، وَالْأَكْلِ، وَنَحْوِهِ، وَمَا لَهُ وُجُودٌ شَرْعِيٌّ مَعَ الْوُجُودِ الْحِسِّيِّ فَالْمَحْكُومُ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَبَعْدَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ آخَرَ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَحَصَلَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: الْأَوَّلُ مَا لَيْسَ لَهُ إلَّا وُجُودٌ حِسِّيٌّ

ــ

[التلويح]

الِاسْتِقْرَاءِ.

(قَوْلُهُ وَكُلٌّ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْإِيمَانِ وَفُرُوعِهِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَصْلِ وَالْمُلْحَقِ بِهِ وَالزَّوَائِدِ بِمَعْنَى أَنَّ فِي جُمْلَةِ الْفُرُوعِ أَصْلًا وَمُلْحَقًا بِهِ وَزَوَائِدَ لَا بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفُرُوعِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَالْمُرَادُ بِالْفُرُوعِ مَا سِوَى الْإِيمَانِ مِنْ الْعِبَادَاتِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى الْإِيمَانِ وَاحْتِيَاجِهَا إلَيْهِ ضَرُورَةً أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِاَللَّهِ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ التَّقَرُّبُ إلَيْهِ وَكَوْنُ الطَّاعَاتِ مِنْ فُرُوعِ الْإِيمَانِ وَزَوَائِدِهِ لَا يُنَافِي كَوْنَهَا فِي نَفْسِهَا مِمَّا لَهُ أَصْلٌ، وَمُلْحَقٌ بِهِ، وَزَوَائِدُ، فَأَصْلُ الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِمَعْنَى إذْعَانِ الْقَلْبِ، وَقَبُولِهِ لِوُجُودِ الصَّانِعِ، وَوَحْدَانِيِّتِهِ، وَسَائِرِ صِفَاتِهِ، وَنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَجَمِيعِ مَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ بِالضَّرُورَةِ عَلَى مَا هُوَ مَعْنَى الْإِيمَانِ فِي اللُّغَةِ إلَّا أَنَّهُ قُيِّدَ بِأَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» الْحَدِيثَ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيمَانِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ، وَإِنَّمَا الِاخْتِصَاصُ فِي الْمُؤْمِنِ بِهِ فَمَعْنَى التَّصْدِيقِ هُوَ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْفَارِسِيَّةِ بكر يَثْلُغُوا يُفَضِّلُهُ مَطْرَقُ داشتن، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّصْدِيقِ الَّذِي جَعَلَهُ الْمَنْطِقِيُّونَ أَحَدَ قِسْمَيْ الْعِلْمِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ رَئِيسُهُمْ، وَلِهَذَا فَسَّرَهُ السَّلَفُ بِالِاعْتِقَادِ، وَالْمَعْرِفَةِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْكُفَّارِ كَانُوا يَعْرِفُونَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَيْقِنُونَ أَمْرَهُ لَا أَنَّهُمْ اسْتَكْبَرُوا، وَلَمْ يُذْعِنُوا فَلَمْ يَكُونُوا مُصَدِّقِينَ، وَالْمُلْحَقُ بِأَصْلِ الْإِيمَانِ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ لِكَوْنِهِ تَرْجَمَةً عَمَّا فِي الضَّمِيرِ، وَدَلِيلًا عَلَى تَصْدِيقِ الْقَلْبِ، وَلَيْسَ بِأَصْلٍ لِأَنَّ مَعْدِنَ التَّصْدِيقِ هُوَ الْقَلْبُ، وَلِهَذَا قَدْ يَسْقُطُ الْإِقْرَارُ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ كَمَا فِي الْأَخْرَسِ أَوْ تَعَسُّرِهِ كَمَا فِي الْمُكْرَهِ، وَكَوْنُ الْإِقْرَارِ رُكْنًا مِنْ الْإِيمَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>