للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ، وَالثَّانِي غَالِبٌ أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ فَثَمَانِيَةُ عِبَادَاتٍ خَالِصَةٍ كَالْإِيمَانِ، وَفُرُوعِهِ، وَكُلِّ مُشْتَمِلٍ عَلَى الْأَصْلِ، وَالْمُلْحَقِ بِهِ، وَالزَّوَائِدِ فَالْإِيمَانُ أَصْلُهُ التَّصْدِيقُ، وَالْإِقْرَارُ مُلْحَقٌ بِهِ حَتَّى إنَّ مَنْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِنْدَ النَّاسِ، وَهَذَا عِنْدَ بَعْضِ عُلَمَائِنَا أَمَّا عِنْدَ الْبَعْضِ فَالْإِيمَانُ هُوَ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ شَرْطٌ لِإِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَهُوَ أَصْلٌ فِي حَقِّهَا) أَيْ الْإِقْرَارُ أَصْلٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ (اتِّفَاقًا حَتَّى صَحَّ إيمَانُ الْمَكْرُوهِ فِي حَقِّ الدُّنْيَا، وَلَا يَصِحُّ رِدَّتُهُ لِأَنَّ الْأَدَاءَ دَلِيلٌ مَحْضٌ لَا رُكْنٌ، وَزَوَائِدُ الْإِيمَانِ الْأَعْمَالُ، وَعِبَادَةٌ فِيهَا مُؤْنَةٌ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهَا كَمَالُ الْأَهْلِيَّةِ، وَمُؤْنَةٌ فِيهَا عُقُوبَةٌ كَالْخَرَاجِ فَلَا يُبْتَدَأُ عَلَى الْمُسْلِمِ لَكِنَّهُ يَبْقَى لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْخَرَاجَ (لَمَّا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ) أَيْ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْمُؤْنَةِ (لَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ الْأَوَّلَ) ، وَهُوَ الْمُؤْنَةُ (غَالِبٌ) عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّهُ مُؤْنَةٌ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْأَرْضُ عُقُوبَةً

ــ

[التلويح]

وَجِهَاتُ الْعِبَادَةِ كَثِيرَةٌ مِثْلُ تَسْمِيَتِهَا صَدَقَةً وَكَوْنِهَا طُهْرَةً لِلصَّائِمِ، وَاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي أَدَائِهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ أَمَارَاتِ الْعِبَادَةِ وَلِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ لَمْ يُشْتَرَطْ لَهَا كَمَالُ الْأَهْلِيَّةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعِبَادَاتِ الْخَالِصَةِ فَوَجَبَتْ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ اعْتِبَارًا لِجَانِبِ الْمُؤْنَةِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ جَانِبَ الْعِبَادَةِ لِكَوْنِهَا أَرْجَحَ.

(قَوْلُهُ وَمُؤْنَةٌ فِيهَا عُقُوبَةٌ) لَمَّا كَانَتْ الْمُؤْنَةُ فِي الْعُشْرِ، وَالْخَرَاجُ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ، وَهُوَ الْأَرْضُ عَلَى مَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ فِي بَحْثِ السَّبَبِ، وَالْعِبَادَةُ وَالْعُقُوبَةُ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ، وَهُوَ النَّمَاءُ فِي الْعُشْرِ وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ فِي الْخَرَاجِ سُمِّيَا مُؤْنَةً فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ وَلَمَّا كَانَ فِي الْخَرَاجِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَالذُّلِّ، وَالْمُسْلِمُ أَهْلٌ لِلْكَرَامَةِ، وَالْعِزِّ لَمْ يَصِحَّ ابْتِدَاءُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ طَوْعًا أَوْ قُسِمَتْ الْأَرَاضِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَصِحَّ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِمْ لَكِنْ صَحَّ إبْقَاءُ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ مِنْ كَافِرٍ أَرَضَ خَرَاجٍ كَانَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لَا الْعُشْرُ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَمَّا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ الْغَيْرِ اللَّائِقَةِ بِالْمُسْلِمِ وَالْمُؤْنَةِ اللَّائِقَةِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ إبْطَالُهُ بِالشَّكِّ، وَلِأَنَّ جِهَةَ الْمُؤْنَةِ رَاجِحَةٌ فِيهِ لِكَوْنِهَا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ أَعْنِي الْأَرْضَ، وَالْمُؤْمِنُ مِنْ أَهْلِ الْمُؤْنَةِ فَيَصِحُّ بَقَاءً، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ ابْتِدَاءً، وَلَمَّا كَانَ فِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ لَمْ يَصِحَّ ابْتِدَاءً عَلَى الْكَافِرِ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُنَافِي الْقُرْبَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِأَنَّ فِي الْعُشْرِ ضَرْبَ كَرَامَةٍ، وَالْكُفْرُ مَانِعٌ عَنْهُ مَعَ إمْكَانِ الْخَرَاجِ كَمَا أَنَّ فِي الْخَرَاجِ ضَرْبَ إهَانَةٍ وَالْإِسْلَامُ مَانِعٌ عَنْهُ مَعَ إمْكَانِ الْعُشْرِ، وَأَمَّا بَقَاءً كَمَا إذَا مَلَكَ ذِمِّيٌّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَبْقَى عَلَى الْعُشْرِ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ الْأَرْضِ، وَالْكَافِرُ أَهْلٌ لِلْمُؤْنَةِ، وَمَعْنَى الْقُرْبَةِ تَابِعٌ فَيَسْقُطُ فِي حَقِّهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُضَاعَفُ الْعُشْرُ لِأَنَّ الْكُفْرَ مُنَافٍ لِلْقُرْبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَغْيِيرِ الْعُشْرِ، وَالتَّضْعِيفُ تَغْيِيرٌ لِلْوَصْفِ فَقَطْ فَيَكُونُ أَسْهَلَ مِنْ إبْطَالِ الْعُشْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>