للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَقْلِ) هَذَا فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ الْأَمْرِ (فَالصَّبِيُّ الْعَاقِلُ، وَشَاهِقُ الْجَبَلِ مُكَلَّفَانِ بِالْإِيمَانِ حَتَّى إنْ لَمْ يَعْتَقِدَا كُفْرًا، وَلَا إيمَانًا يُعَذَّبَانِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ يُعْذَرَانِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ كُفْرُ شَاهِقِ الْجَبَلِ فَيَضْمَنُ قَاتِلُهُ، وَلَا إيمَانُ الصَّبِيِّ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا التَّوَسُّطُ بَيْنَهُمَا إذْ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُ الْعَقْلِ بِالْعَقْلِ، وَلَا بِالشَّرْعِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ) أَيْ الشَّرْعُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَقْلِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعِلْمِ بِوَحْدَانِيِّتِهِ، وَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُعْجِزَةَ دَالَّةٌ عَلَى النُّبُوَّةِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَا تُعْرَفُ شَرْعًا بَلْ عَقْلًا قَطْعًا لِلدُّورِ (لَكِنْ قَدْ يَتَطَرَّقُ الْخَطَأُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ) فَإِنَّ مَبَادِئَ الْإِدْرَاكَاتِ الْعَقْلِيَّةِ الْحَوَاسُّ فَيَقَعُ الِالْتِبَاسُ بَيْنَ الْقَضَايَا الْوَهْمِيَّةِ، وَالْعَقْلِيَّةِ فَيَتَطَرَّقُ

ــ

[التلويح]

فَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ نَعَمْ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَعِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ لَا إذْ لَا حُكْمَ لِلْعَقْلِ، وَلَا تَعْذِيبَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَقَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ قَطْعًا لِلدَّوْرِ) يَعْنِي أَنَّ ثُبُوتَ الشَّرْعِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلَامِهِ، وَبَعْثَةِ الْأَنْبِيَاءِ بِدَلَالَةِ الْمُعْجِزَاتِ فَلَوْ تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الشَّرْعِ لَزِمَ الدَّوْرُ.

(قَوْلُهُ: وَثَانِيهِمَا مُعَارَضَةُ الْوَهْمِ الْعَقْلَ) فَإِنْ قِيلَ: الْوَهْمُ لَا يُدْرِكُ إلَّا الْمَعَانِيَ الْجُزْئِيَّةَ، وَالْعَقْلُ لَا يُدْرِكُ إلَّا الْكُلِّيَّاتِ فَكَيْفَ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهُمَا؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مُدْرِكَ الْكُلِّ هُوَ النَّفْسُ لَكِنَّهَا تُدْرِكُ الْكُلِّيَّاتِ بِالْقُوَّةِ الْعَاقِلَةِ وَالْجُزْئِيَّاتِ بِالْحَوَاسِّ، وَمَعْنَى الْمُعَارَضَةِ انْجِذَابُ النَّفْسِ إلَى آلَةِ الْوَهْمِ دُونَ الْعَقْلِ فِيمَا مَنْ حَقُّهُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيهِ الْعَقْلُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إلْفَهَا بِالْحِسِّ، وَالْوَهْمِ، وَمُدْرَكَاتُهُمَا أَكْثَرُ.

(قَوْلُهُ: فَهُوَ) أَيْ الْعَقْلُ وَحْدَهُ غَيْرُ كَافٍ فِي جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ بِهِ كَمَالُ النَّفْسِ، وَوَرَدَ بِهِ أَمْرُ الشَّارِعِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَطَرُّقِ الْخَطَأِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَسْتَقِلُّ فِي إدْرَاكِ شَيْءٍ، وَاكْتِسَابِ حُكْمٍ أَلْبَتَّةَ عَلَى مَا هُوَ رَأْيُ الْإِسْمَاعِيلِيَّة فِي إثْبَاتِ الْحَاجَةِ إلَى الْمُعَلِّمِ.

(قَوْلُهُ فَالصَّبِيُّ الْعَاقِلُ لَا يُكَلَّفُ بِالْإِيمَانِ) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ حَتَّى الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ إلَى أَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا بِكَمَالِ الْعَقْلِ، وَالْبَالِغُ وَالصَّبِيُّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا عُذِرَ فِي عَمَلِ الْجَوَارِحِ لِضَعْفِ الْبِنْيَةِ بِخِلَافِ عَمَلِ الْقَلْبِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ كَمَالَ الْعَقْلِ مُعَرِّفٌ لِلْوُجُوبِ، وَالْمُوجِبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ الْعَقْلَ عِنْدَهُمْ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ مُوجِدٌ لِأَفْعَالِهِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَفَرَتْ) أَيْ الْمُرَاهِقَةُ تَبِينُ عَنْ الزَّوْجِ لِأَنَّا إنَّمَا، وَضَعْنَا الْبُلُوغَ مَوْضِعَ كَمَالِ الْعَقْلِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ إذَا لَمْ تَعْرِفْ ذَلِكَ حَقِيقَةً أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ التَّوَجُّهُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ وَالْكُفْرِ فَلَا عُذْرَ فَإِنْ قِيلَ: إذَا نِيطَ الْحُكْمُ بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ دَارَ مَعَهُ وُجُودًا، وَعَدَمًا، وَلَمْ يُعْتَدَّ بِحَقِيقَةِ السَّبَبِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُعْذَرَ الْمُرَاهِقَةُ الَّتِي كَفَرَتْ كَالْمُسَافِرِ سَفَرًا عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ أَصْلًا فَإِنَّهُ تَبْقَى الرُّخْصَةُ بِحَالِهَا قُلْنَا ذَاكَ فِي الْفُرُوعِ، وَأَمَّا فِي الْأُصُولِ لَا سِيَّمَا فِي الْإِيمَانِ فَيَجِبُ إذَا وُجِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>