للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَبَبٌ لِحُصُولِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ ثُمَّ حُصُولُ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ سَبَبٌ لِزِيَادَةِ تِلْكَ الْقَابِلِيَّةِ. (وَالِاطِّلَاعُ عَلَى حُصُولِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ مُتَعَذِّرٌ قَدَّرَهُ الشَّرْعُ بِالْبُلُوغِ إذْ عِنْدَهُ يَتِمُّ التَّجَارِبُ بِتَكَامُلِ الْقُوَى الْجُسْمَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَرَاكِبُ لِلْقُوَى الْعَقْلِيَّةِ، وَمُسَخَّرَةٌ لَهَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْأَمْرِ الْخِلَافُ فِي إيجَابِهِ الْحُسْنَ، وَالْقُبْحَ فَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ الْخِطَابُ مُتَوَجِّهٌ بِنَفْسِ

ــ

[التلويح]

وَنُقْصَانِهِ فَكُلَّمَا كَانَ الْبَدَنُ أَعْدَلَ، وَبِالْوَاحِدِ الْحَقِيقِيِّ أَشْبَهَ كَانَتْ النَّفْسُ الْفَائِضَةُ عَلَيْهِ أَكْمَلَ، وَإِلَى الْخَيْرَاتِ أَمْيَلَ، وَلِلْكِمَالَاتِ أَقْبَلَ وَهَذَا مَعْنَى صِفَاتِهَا، وَلِطَاقَتِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمِرْآةِ فِي قَبُولِ النُّورِ، وَإِنْ كَانَتْ بِالْعَكْسِ فَبِالْعَكْسِ، وَهَذَا مَعْنَى كُدُورَتِهَا، وَكَثَافَتِهَا بِمَنْزِلَةِ الْحَجَرِ فِي قَبُولِ النُّورِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ النَّفْسَ كُلَّمَا كَانَتْ أَكْمَلَ، وَأَقْبَلَ كَانَ النُّورُ الْفَائِضُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْجَوْهَرِ الْمُسَمَّى بِالْعَقْلِ الْفَعَّالِ أَكْثَرَ. وَأَمَّا بَقَاءً وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ مُتَدَرِّجًا مِنْ النُّقْصَانِ إلَى الْكَمَالِ فَلِأَنَّ النَّفْسَ كُلَّمَا ازْدَادَتْ فِي اكْتِسَابِ الْعُلُومِ بِتَكْمِيلِ الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ، وَفِي تَحْصِيلِ الْمَلَكَاتِ الْمَحْمُودَةِ بِتَكْمِيلِ الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ ازْدَادَتْ تَنَاسُبًا بِالْعَقْلِ الْفَعَّالِ الْكَامِلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَازْدَادَتْ إفَاضَةُ نُورِهِ عَلَيْهَا لِازْدِيَادِ الِاسْتِفَاضَةِ بِازْدِيَادِ الْمُنَاسَبَةِ، وَلَمَّا تَفَاوَتَتْ الْعُقُولُ فِي الْأَشْخَاصِ تَعَذَّرَ الْعِلْمُ بِأَنَّ عَقْلَ كُلِّ شَخْصٍ هَلْ بَلَغَ الْمَرْتَبَةَ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ؟ فَقَدَّرَ الشَّارِعُ تِلْكَ الْمَرْتَبَةَ بِوَقْتِ الْبُلُوغِ إقَامَةً لِلسَّبَبِ الظَّاهِرِ مَقَامَ حُكْمِهِ كَمَا فِي السَّفَرِ، وَالْمَشَقَّةِ، وَذَلِكَ لِحُصُولِ شَرَائِطِ كَمَالِ الْعَقْلِ وَأَسْبَابِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى تَمَامِ التَّجَارِبِ الْحَاصِلَةِ بِالْإِحْسَاسَاتِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْإِدْرَاكَاتِ الضَّرُورِيَّةِ، وَتَكَامُلِ الْقُوَى الْجُسْمَانِيَّةِ مِنْ الْمُدْرَكَةِ، وَالْمُحَرَّكَةِ الَّتِي هِيَ مَرَاكِبُ لِلْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا بِوَاسِطَتِهَا تَسْتَفِيدُ الْعُلُومَ ابْتِدَاءً، وَتَصِلُ إلَى الْمَقَاصِدِ، وَبِمَعُونَتِهَا يَظْهَرُ آثَارُ الْإِدْرَاكِ، وَهِيَ مُسَخَّرَةٌ، وَمُطِيعَةٌ لِلْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ تَأْمُرُهَا بِالْأَخْذِ، وَالْإِعْطَاءِ، وَاسْتِيفَاءِ اللَّذَّاتِ، وَالتَّحَرُّكِ لِلْإِدْرَاكَاتِ قَدْرَ مَا تَرَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَتَحْصُلُ الْكَمَالَاتُ.

(قَوْلُهُ، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْأَمْرِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُهِمَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ تَحْرِيرُ الْمَبْحَثِ، وَتَلْخِيصُ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِيَتَأَتَّى النَّظَرُ فِي أَدِلَّةِ الْجَانِبَيْنِ، وَيَظْهَرَ صِحَّةُ الْمَطْلُوبِ، وَلَا نِزَاعَ لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَسْتَقِلُّ بِدَرْكِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى تَفَاصِيلِهَا مِثْلَ وُجُوبِ الصَّوْمِ فِي آخِرِ رَمَضَانَ، وَحُرْمَتِهِ فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ، وَلَا نِزَاعَ لِلْأَشَاعِرَةِ فِي أَنَّ الشَّرْعَ مُحْتَاجٌ إلَى الْعَقْلِ وَأَنَّ لِلْعَقْلِ مَدْخَلًا فِي مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ حَتَّى صَرَّحُوا بِأَنَّ الدَّلِيلَ إمَّا عَقْلِيٌّ صِرْفٌ، وَإِمَّا مُرَكَّبٌ مِنْ عَقْلِيٍّ، وَسَمْعِيٍّ، وَيَمْتَنِعُ كَوْنُهُ سَمْعِيًّا صِرْفًا لِأَنَّ صِدْقَ الشَّارِعِ بَلْ وُجُودُهُ، وَكَلَامُهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْعَقْلِ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ الْعَاقِلَ إذَا لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، وَخِطَابُ الشَّارِعِ إمَّا لِعَدَمِ وُرُودِهِ وَإِمَّا لِعَدَمِ وُصُولِهِ إلَيْهِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَفْعَالِ، وَيَحْرُمُ بَعْضُهَا بِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فِي الْآخِرَةِ أَمْ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>