التَّجَارِبِ، وَكَمَالِ الْعَقْلِ (وَلَكِنْ يَصِحُّ مِنْهُ) اعْتِبَارًا لِأَصْلِ الْعَقْلَ، وَرِعَايَةً لِلتَّوَسُّطِ فَجَعَلْنَا مُجَرَّدَ الْعَقْلِ كَافِيًا لِلصِّحَّةِ وَشَرَطْنَا الِانْضِمَامَ الْمَذْكُورَ لِلْوُجُوبِ (وَالْمُرَاهِقَةُ إنْ غَفَلَتْ عَنْ الِاعْتِقَادَيْنِ لَا تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَإِنْ كَفَرَتْ تَبِينُ) فَإِنَّهَا إنْ لَمْ تُدْرِكْ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ يُجْعَلْ مُجَرَّدُ عَقْلِهَا كَافِيًا فِي التَّوَجُّهِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ لَكِنْ إنْ تَوَجَّهَتْ عُلِمَ حِينَئِذٍ أَنَّهَا أَدْرَكَتْ مُدَّةَ إفَادَتِهَا التَّوَجُّهَ فَجَعَلْنَا مُجَرَّدَ عَقْلِهَا كَافِيًا إذَا حَصَلَ التَّوَجُّهُ، وَشَرَطْنَا الِانْضِمَامَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ التَّوَجُّهُ.
(وَكَذَا الشَّاهِقُ) أَيْ لَا يُكَلَّفُ (قَبْلَ مُضِيِّ زَمَانٍ يَحْصُلُ فِيهِ التَّجْرِبَةُ) ، وَبَعْدَهُ يُكَلَّفُ فَلَا يَضْمَنُ قَاتِلُ الشَّاهِقِ، وَلَوْ قَبْلَ مُدَّةِ التَّجْرِبَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْجِبْ
ــ
[التلويح]
هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي جَرَى بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِبَادِهِ يَوْمَ الْمِيثَاقِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: ١٧٢] عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَتَوَالَدُونَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي أَدْنَى مُدَّةٍ كَمَوْتِ الْكُلِّ بِالنَّفْخِ فِي الصُّوَرِ، وَحَيَاةِ الْكُلِّ بِالنَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ فَصَوَّرَهُمْ، وَاسْتَنْطَقَهُمْ، وَأَخَذَ مِيثَاقَهُمْ ثُمَّ أَعَادَهُمْ جَمِيعًا فِي صُلْبِ آدَمَ ثُمَّ أَنْسَانَا تِلْكَ الْحَالَةَ ابْتِلَاءً لِنُؤْمِنَ بِالْغَيْبِ، وَحَاصِلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَاتِ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ خُصَّ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ بِوُجُوبِ أَشْيَاءَ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَتَكَالِيفَ يُؤَاخَذُ بِهَا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ خُصُوصِيَّةٍ بِهَا يَصِيرُ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالذِّمَّةِ فَهِيَ وَصْفٌ يَصِيرُ بِهِ الْإِنْسَانُ أَهْلًا لِمَا لَهُ، وَمَا عَلَيْهِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا صَادِقٌ عَلَى الْعَقْلِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِيمَا سَبَقَ وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ لَا تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ وَصْفٍ مُغَايِرٍ لِلْعَقْلِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَقْلَ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بَلْ الْعَقْلُ إنَّمَا هُوَ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ الْخِطَابِ، وَالْوُجُوبُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَصْفِ الْمُسَمَّى بِالذِّمَّةِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ ثُبُوتُ الْعَقْلِ بِدُونِ ذَلِكَ الْوَصْفِ كَمَا لَوْ رُكِّبَ الْعَقْلُ فِي حَيَوَانٍ غَيْرِ الْآدَمِيِّ لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ بِمَنْزِلَةِ السَّبَبِ لِكَوْنِ الْإِنْسَانِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ لَهُ، وَعَلَيْهِ، وَالْعَقْلُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ وَجَبَ أَوْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ كَذَا قُلْتُ مَعْنَاهُ الْوُجُوبُ عَلَى نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَلَمَّا كَانَ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقًا بِهِ جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ ظَرْفٍ يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْوُجُوبُ دَلَالَةً عَلَى كَمَالِ التَّعَلُّقِ، وَإِشَارَةً إلَى أَنَّ هَذَا الْوُجُوبَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْعَهْدِ، وَالْمِيثَاقِ الْمَاضِي كَمَا يُقَالُ وَجَبَ فِي الْعَهْدِ وَالْمُرُوءَةِ أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا، وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّمَّةِ فِي الشَّرْعِ نَفْسٌ، وَرَقَبَةٌ لَهَا ذِمَّةٌ وَعَهْدٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ، وَجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مَحَلًّا لِذَلِكَ الْعَهْدِ فَالرَّقَبَةُ تَفْسِيرٌ لِلنَّفْسِ، وَالْعَهْدُ تَفْسِيرٌ لِلذِّمَّةِ، وَهَذَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِ، وَالْمَقْصُودُ وَاضِحٌ.
(قَوْلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} [الأعراف: ١٧٢]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute