للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَصْرُ بِمُسْتَقِلٍّ (التَّخْصِيصُ وَهُوَ إمَّا بِالْكَلَامِ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ إمَّا الْعَقْلُ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ. (نَحْوَ {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٠٢] يَعْلَمُ ضَرُورَةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَخْصُوصٌ مِنْهُ، وَتَخْصِيصُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مِنْ خِطَابَاتِ الشَّرْعِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. وَأَمَّا الْحِسُّ نَحْوَ {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: ٢٣] وَأَمَّا الْعَادَةُ نَحْوُ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا يَقَعُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ وَأَمَّا كَوْنُ بَعْضِ الْأَفْرَادِ نَاقِصًا فَيَكُونُ اللَّفْظُ أَوْلَى بِالْبَعْضِ الْآخَرِ، نَحْوَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يَقَعُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَيُسَمَّى مُشَكِّكًا أَوْ زَائِدًا) عَطْفٌ

ــ

[التلويح]

لَوْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَلَوْ انْعَدَمَ انْعَدَمَ بِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ، وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ إشْكَالٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الشَّرْطِ لِلْقَصْرِ عَلَى بَعْضِ التَّقَادِيرِ إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مَجْمُوعُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَلَامٌ وَاحِدٌ مُوجِبٌ لِلْحُكْمِ عَلَى تَقْدِيرٍ، وَسَاكِتٌ عَنْ سَائِرِ التَّقَادِيرِ حَتَّى إنَّ مُجَرَّدَ الْجَزَاءِ بِمَنْزِلَةِ أَنْتِ مِنْ أَنْتِ طَالِقٌ لَيْسَ هُوَ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ، وَالشَّرْطِ تَعْلِيقًا وَقَصْرًا لَهُ عَلَى الْبَعْضِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْلَا الشَّرْطُ لَأَفَادَ الْكَلَامُ الْحُكْمَ عَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ فَحِينَ عُلِّقَ بِالشَّرْطِ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ قَصَرَهُ عَلَى الْبَعْضِ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ، فَإِنْ قِيلَ جَعَلَ الْمُسْتَقِلَّ هَاهُنَا مُخَصِّصًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْمُتَرَاخِي وَغَيْرِهِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُتَرَاخِيَ نَسْخٌ لَا تَخْصِيصٌ قُلْنَا التَّخْصِيصُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُ النَّسْخَ فَلَا يُقَيَّدُ بِعَدَمِ التَّرَاخِي وَلِهَذَا يُقَالُ النَّسْخُ تَخْصِيصٌ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُقَابِلُهُ، وَهُوَ الْمُقَيَّدُ بِعَدَمِ التَّرَاخِي وَالْقَوْلُ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى غَيْرِ الْمُتَرَاخِي يُوجِبُ بُطْلَانَ كَلَامِ الْقَوْمِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ، مِثْلَ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَتَخْصِيصِ بَعْضِ الْآيَاتِ بِالْبَعْضِ مَعَ التَّرَاخِي.

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْحِسُّ) فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْمُدْرَكَ بِالْحِسِّ هُوَ أَنَّ لَهُ كَذَا وَكَذَا. وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ بِالْعَقْلِ لَا غَيْرُ، وَفِي التَّمْثِيلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: ٢٣] رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَجْرِي فِي الْخَبَرِ كَالنَّسْخِ.

(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْعَادَةُ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا فَالرَّأْسُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا عُرْفًا فِي رَأْسِ كُلِّ حَيَوَانٍ إلَّا أَنَّهُ مَعْلُومٌ عَادَةً أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، إذْ لَا يَدْخُلُ فِيهِ عَادَةً رَأْسُ الْعُصْفُورِ وَالْجَرَادِ فَيُخَصُّ بِمَا يَكُونُ مُتَعَارَفًا بِأَنْ يُكْبَسَ فِي التَّنَانِيرِ وَيُبَاعَ مَشْوِيًّا وَبِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْعَادَاتِ بِحَسَبِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ خَصَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا بِرَأْسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ، وَثَانِيًا بِرَأْسِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَهُمَا بِرَأْسِ الْغَنَمِ خَاصَّةً.

(قَوْلُهُ وَيُسَمَّى مُشَكِّكًا) يَعْنِي: اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِمَعْنًى لَا يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيعُ أَفْرَادِهِ، بَلْ تَخْتَلِفُ بِالشِّدَّةِ وَالضَّعْفِ كَالْمَمْلُوكِ فِي الْقِنِّ وَالْمُكَاتَبِ أَوْ بِالْأَوْلَوِيَّةِ أَوْ بِالتَّقَدُّمِ، وَالتَّأَخُّرِ كَالْوُجُودِ فِي الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ يُسَمَّى مُشَكِّكًا؛ لِأَنَّهُ يَشُكُّ النَّاظِرُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ أَوْ الْمُتَوَاطِئِ أَعْنِي: مَا وُضِعَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَفْرَادُ فَلَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُكَاتَبُ لِنُقْصَانِ الْمِلْكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>