لَا بِصُورَتِهِ، فَيَصِحُّ إعْتَاقُ الْمَرِيضِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، فَيَصِيرُ الْعَبْدُ مُسْتَحِقًّا لِلْحُرِّيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْإِعْتَاقِ لَكِنْ لَا يَنْفُذُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَهِيَ الْمَالِيَّةُ حَتَّى يَجِبَ السِّعَايَةُ فِي الْكُلِّ إذَا اسْتَغْرَقَ الدَّيْنَ، وَفِيمَا وَرَاءَ ثُلُثِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الرِّقِّ (بِخِلَافِ إعْتَاقِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنَ فِي مِلْكِ الْيَدِ فَقَطْ) فَإِنَّ إعْتَاقَ الرَّاهِنِ يَنْفُذُ فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ غَنِيًّا فَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا يُسَمَّى فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ لَكِنْ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ غِنَاءٍ، فَعِتْقُ الرَّاهِنِ حُرٌّ مَدْيُونٌ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ السِّعَايَةِ، وَمُعْتَقُ الْمَرِيضِ قَبْلَ السِّعَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
(وَمِنْهَا الْمَوْتُ وَهُوَ عَجْزٌ ظَاهِرٌ كُلُّهُ وَالْأَحْكَامُ هُنَا دُنْيَوِيَّةٌ وَأُخْرَوِيَّةٌ أَمَّا الْأُولَى فَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ
ــ
[التلويح]
بِالْمَوْتِ فَوْقَ مَا تَضْعُفُ بِالرِّقِّ إذْ الرِّقُّ يُرْجَى زَوَالُهُ بِخِلَافِ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّ أَثَرَ الدَّيْنِ فِي تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ، وَيَسْتَحِيلُ مُطَالَبَةُ الْمَيِّتِ فَإِذَا انْضَمَّ إلَى الذِّمَّةِ مَالٌ أَوْ كَفِيلٌ تَقْوَى الذِّمَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَحَلٌّ لِلِاسْتِيفَاءِ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوُجُوبِ، وَذِمَّةُ الْكَفِيلِ مُقَوِّيَةٌ لِذِمَّةِ الْأَصِيلِ، وَمُتَهَيِّئَةٌ لِتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَالٌ، وَلَا كَفِيلٌ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ عَنْ الْمَيِّتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ، وَلَا مُطَالَبَةَ فَلَا الْتِزَامَ، وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يُبْرِئُ الذِّمَّةَ عَنْ الْحُقُوقِ، وَلِهَذَا يُطَالَبُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ إجْمَاعًا، وَفِي الدُّنْيَا أَيْضًا إذَا ظَهَرَ لَهُ الْمَالُ، وَيَثْبُتُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ لَوْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ عَنْ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا الْعَجْزُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمَيِّتِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ حَيًّا مُفْلِسًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُتِيَ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَلْ عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنٌ فَقَالُوا: نَعَمْ دِرْهَمَانِ أَوْ دِينَارَانِ فَامْتَنَعَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ عَلِيٌّ أَوْ أَبُو قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ» ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُطَالَبَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ سَاقِطَةٌ هَاهُنَا لِضَعْفِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ، وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ الْعِدَةَ احْتِمَالًا ظَاهِرًا إذْ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ لِلْغَائِبِ الْمَجْهُولِ عَلَى أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ، وَمَعْنَى الْمُطَالَبَةِ فِي الْآخِرَةِ رَاجِعٌ إلَى الْإِثْمِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى بَقَاءِ الذِّمَّةِ فَضْلًا عَنْ قُوَّتِهَا، وَإِذَا ظَهَرَ لَهُ مَالٌ، فَالذِّمَّةُ تَتَقَوَّى بِهِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الِاسْتِيفَاءِ، وَالتَّبَرُّعُ إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَإِنْ كَانَ سَاقِطًا فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِالْمَوْتِ إنَّمَا هُوَ لِضَرُورَةِ فَوْتِ الْمَحَلِّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ دُونَ مَنْ لَهُ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَرَتَّبَ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ التَّرِكَةِ حُقُوقُ الْمَيِّتِ كَمُؤَنِ تَجْهِيزِهِ، ثُمَّ قَضَاءِ دُيُونِهِ، ثُمَّ تَنْفِيذِ، وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ التَّجْهِيزُ عَلَى الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَيْنِ كَالْمَرْهُونِ، وَالْمُسْتَأْجَرِ، وَالْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْعَبْدِ الْجَانِي، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute