الْمَالِ وَإِحْصَانَ النَّفْسِ مِنْ بَابِ الْعِصْمَةِ، وَهِيَ الْحِفْظُ، فَيَكُونُ فِي ثُبُوتِهِمَا الْحِفْظُ عَنْ التَّعَرُّضِ) تَقْرِيرُهُ أَنَّ دِيَانَتَهُمْ تَصْلُحُ دَافِعَةً لِلتَّعَرُّضِ اتِّفَاقًا وَدَافِعَةً لِدَلِيلِ الشَّرْعِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا أَيْ: فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي تَصْلُحُ دِيَانَتُهُمْ دَافِعَةً لَهَا لَا يَتَنَاوَلُهُمْ دَلِيلُ الشَّرْعِ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ عِنْدَنَا فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَتَقَوُّمُ الْخَمْرِ وَإِحْصَانُ النَّفْسِ مِنْ بَابِ دَفْعِ التَّعَرُّضِ لَا مِنْ بَابِ التَّعَدِّي إلَى الْغَيْرِ، فَيَثْبُتَانِ (وَلَا يَلْزَمُ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ نُهُوا عَنْهُ) هَذَا جَوَابُ إشْكَالٍ عَلَى أَنَّ دِيَانَتَهُمْ مُعْتَبَرَةٌ فِي تَرْكِ التَّعَرُّضِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُتْرَكُوا عَلَى دِيَانَتِهِمْ فِي بَابِ الرِّبَا أَيْضًا، فَأَجَابَ بِأَنَّ مُعْتَقَدَهُمْ فِي الرِّبَا لَيْسَ هُوَ الْحِلُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: ١٦١] وَقَدْ خَطَرَ بِبَالِي عَلَى هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: دِيَانَتُهُمْ دَافِعَةٌ لِلتَّعَرُّضِ اتِّفَاقًا، وَدَلِيلُ الشَّرْعِ لَا يُرَادُ بِهِ أَنَّ دِيَانَتَهُمْ الصَّحِيحَةَ دَافِعَةٌ لَهُمَا فَإِنَّ دِيَانَةَ الْكَافِرِ لَا تَكُونُ صَحِيحَةً بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ مُعْتَقَدَهُمْ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا دَافِعٌ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ فِي شَرِيعَةٍ مِنْ الشَّرَائِعِ؛ لِأَنَّ حِلَّهُ كَانَ فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلضَّرُورَةِ ثُمَّ نُسِخَ فِي شَرِيعَةِ نُوحٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَارْتِكَابُ الْمَجُوسِ ذَلِكَ، وَارْتِكَابُ أَهْلِ الْكِتَابِ الرِّبَا سِيَّانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا صَعْبٌ جِدًّا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ
ــ
[التلويح]
إيَّاهُ إلَى مَا يُوَافِقُ اعْتِقَادَهُ، وَإِنَّمَا لَزِمَنَا مُنَاظَرَتُهُ، وَإِلْزَامُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ مُعْتَرِفٌ بِحَقِّيَّةِ الْقُرْآنِ، وَنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
(قَوْلُهُ: وَكَجَهْلِ الْبَاغِي) هُوَ الْخَارِجُ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْحَقِّ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ، وَشُبْهَةٍ طَارِئَةٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَنَعَةٌ، فَقَدْ سَقَطَتْ؛ وَلِأَنَّهُ الْإِلْزَامُ لِتَعَذُّرِهِ حِسًّا، وَحَقِيقَةً، فَيَعْمَلُ بِتَأْوِيلِهِ الْفَاسِدِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِضَمَانِ مَا أُتْلِفَ مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ لَكِنْ يُسْتَرَدُّ مِنْهُ مَا كَانَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُفْتَى بِوُجُوبِ أَدَاءِ الضَّمَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَكِنَّهُمْ لَا يُلْزَمُونَ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ تَبْلِيغَ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ قَدْ انْقَطَعَتْ بِمَنَعَةٍ قَائِمَةٍ حِسًّا فِيمَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِخِلَافِ الْإِثْمِ، فَإِنَّ الْمَنَعَةَ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّارِعِ، وَلَا تَسْقُطُ حُقُوقُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنَعَةٌ، فَلَا مَانِعَ مِنْ تَبْلِيغِ الْحُجَّةِ، وَإِلْزَامِ الْحُكْمِ فَيُؤَاخَذُ بِالضَّمَانِ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا مُحَارَبَةُ الْبَاغِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: ٩] وَلِأَنَّ الْبَغْيَ مَعْصِيَةٌ، وَمُنْكَرٌ، وَنَهْيُ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ، وَذَلِكَ بِالْقِتَالِ، وَقِيلَ: إنَّمَا تَجِبُ مُحَارَبَتُهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا، وَعَزَمُوا عَلَى الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِطَرِيقِ الدَّفْعِ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُحْرَمْ الْمِيرَاثَ بِقَتْلِهِ) أَيْ: قَتْلِ الْبَاغِي لِوُجُودِ السَّبَبِ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ إذْ الْقَتْلُ إنَّمَا يَكُونُ مَانِعًا إذَا كَانَ مَحْظُورًا لِيَكُونَ الْحِرْمَانُ جَزَاءً، وَعُقُوبَةً عَلَيْهِ لَا إذَا كَانَ مَأْمُورًا بِهِ كَقَتْلِ الْبَاغِي، وَالْقَتْلِ رَجْمًا أَوْ قِصَاصًا، وَكَذَا لَا يُحْرَمُ الْبَاغِي الْمِيرَاثَ بِقَتْلِ مُوَرِّثِهِ الْعَادِلِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ حَقٌّ فِي زَعْمِ الْبَاغِي بِنَاءً عَلَى تَأْوِيلِهِ، وَتَمَسُّكِهِ بِمَا عُرِضَتْ لَهُ مِنْ الشُّبْهَةِ، وَوِلَايَتُنَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْهُ لِمَكَانِ الْمَنَعَةِ فَكَانَ قَتْلُهُمْ أَهْلَ الْحَقِّ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ لَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute