كَذَلِكَ وَلَمَّا كَانَتْ الضَّرُورَةُ تَنْقَضِي بِالْبُعْدِ لَمْ تَحِلَّ الْقُرْبَى فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ الْحُرْمَةُ، وَقَدْ ثَبَتَ الْحِلُّ بِالضَّرُورَةِ فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِكَثْرَةِ النَّسْلِ نُسِخَ حِلُّ الْأَخَوَاتِ فَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ دِيَانَتِهِمْ دَافِعَةً لِدَلِيلِ الشَّرْعِ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ حِلُّ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ إذْ بَعْدَ قَصْرِ دَلِيلِ الشَّرْعِ عَنْهُمْ يَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ الْحُرْمَةُ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ إذْ بَعْدَ قَصْرِ دَلِيلِنَا عَنْهُمْ يَبْقَى الْحُكْمُ عَلَى مَا كَانَ، وَهُوَ الْحِلُّ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنِكَاحُ الْمَحَارِمِ لَا يَكُونُ مُثْبِتًا لِلْإِحْصَانِ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُ مَنْ نَكَحَ الْمَحَارِمَ وَوَطِئَ ثُمَّ أَسْلَمَ (وَأَيْضًا حَدُّ الْقَذْفِ يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ) أَيْ: سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا النِّكَاحَ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِمْ لَكِنَّ شُبْهَةَ عَدَمِ الصِّحَّةِ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّهِمْ، فَيَنْدَرِئُ حَدُّ الْقَذْفِ بِهَا، فَقَوْلُهُ وَأَيْضًا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ إلَخْ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْطُوفِ، وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى قَاذِفِ مَنْ نَكَحَ الْمَحَارِمَ وَوَطِئَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ وَأَيْضًا (وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ أَيْضًا) عَطْفٌ عَلَى الْحُكْمِ الْمَفْهُومِ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَنَعْنِي بِالْحُكْمِ الْمَفْهُومِ عَدَمَ وُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ (أَمَّا عَلَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ) وَهُوَ أَنَّ حِلَّ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ لَيْسَ حُكْمًا أَصْلِيًّا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْأَوَّلَ يُوجِبُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ (وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي)
ــ
[التلويح]
شَهَادَةُ الْوَاحِدِ مَعَ الْيَمِينِ، وَمِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ أَعْنِي: قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَسَامَةِ، وَهِيَ أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ لَا يُدْرَى قَاتِلُهُ، وَادَّعَى الْوَلِيُّ قَتْلَهُ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَنَّهُ إنْ ظَهَرَ لَوْثٌ أَيْ: عَلَامَةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ دَعْوَاهُ يُسْتَحْلَفُ الْوَلِيُّ خَمْسِينَ يَمِينًا، ثُمَّ يُقْضَى لَهُ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فِي صُورَةِ الْخَطَأِ، وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْعَمْدِ فَفِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ يُقْضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَفِي الْقَدِيمِ بِالْقِصَاصِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَوْلِيَاءِ مَقْتُولٍ وُجِدَ فِي خَيْبَرَ «أَتَحْلِفُونَ، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَيْ: دَمَ قَاتِلِ صَاحِبِكُمْ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ فَظَهَرَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَقْرِيرِ الْقَوْلَيْنِ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَأَنَّهُ لَا جِهَةَ لِتَخْصِيصِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَهُوَ مَشْهُورٌ، وَمِنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ الْقَوْلُ بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ تَمَسُّكًا بِمَا رُوِيَ عَنْ «جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ» ، وَبِأَنَّ الْمَالِيَّةَ ثَبَتَتْ بِيَقِينٍ، وَارْتِفَاعُهَا بِالْوِلَادَةِ مَشْكُوكٌ، فَإِنَّ الْآثَارَ الدَّالَّةَ عَلَى مَنْعِ بَيْعِهَا قَدْ اشْتَهَرَتْ، وَتَلَقَّاهَا الْقَرْنُ الثَّانِي بِالْقَبُولِ فَصَارَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ) أَوْرَدَ مَسْأَلَتَيْنِ: أُولَاهُمَا مِثَالٌ لِلْجَهْلِ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ الصَّحِيحِ، وَالثَّانِيَةُ تَتْمِيمٌ، وَتَكْمِيلٌ لِلْأُولَى لَا مِثَالٌ آخَرُ؛ لِأَنَّ فِيهَا مُخَالَفَةَ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَكُونُ الِاجْتِهَادُ صَحِيحًا.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْضِ الظُّهْرَ بِنَاءً) أَيْ: بَنَى عَدَمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute