للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُؤْخَذُ الزَّوْجُ بِدِيَانَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ مَنْ لَيْسَ فِي نِكَاحِهِمَا كَالْوَارِثِ الْآخَرِ) لِأَنَّ تَقَوُّمَ الْمَالِ وَإِحْصَانَ النَّفْسِ مِنْ بَابِ الْعِصْمَةِ وَهِيَ الْحِفْظُ فَيَكُونُ فِي ثُبُوتِهِمَا الْحِفْظُ عَنْ التَّعَرُّضِ وَلَا يَلْزَمُ الرِّبَا لِأَنَّ هُمْ قَدْ نُهُوا عَنْهُ جَوَابٌ عَنْ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ: كَمَا فِي مَجُوسِيٍّ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ فِي إرْثِ الْبِنْتِ الَّتِي هِيَ زَوْجَتُهُ ضَرَرًا بِالْوَارِثِ الْآخَرِ أَيْ: الْبِنْتِ الَّتِي هِيَ لَيْسَتْ زَوْجَتَهُ، فَتَكُونُ مُتَعَدِّيَةً هُنَا (وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَكَذَلِكَ) اعْلَمْ أَمَّا مَا ذُكِرَ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَكَذَلِكَ (أَيْضًا) أَيْ: دِيَانَتُهُمْ دَافِعَةٌ لِلتَّعَرُّضِ وَلِدَلِيلِ الشَّرْعِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا (إلَّا أَنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ لَيْسَ حُكْمًا أَصْلِيًّا بِخِلَافِ تَقَوُّمِ الْخَمْرِ بَلْ كَانَ ضَرُورِيًّا إذْ فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُ الْأُخْتِ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ) أَيْ: نِكَاحُ الْمَحَارِمِ كَانَ فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حُكْمًا ضَرُورِيًّا إذْ لَوْلَا جَوَازُهُ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ لَا يَحْصُلُ النَّسْلُ أَصْلًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ نِكَاحَ الْأُخْتِ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَانَتْ السُّنَّةُ الْإِلَهِيَّةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وِلَادَةَ ذَكَرٍ مَعَ أُنْثَى مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ وَالْمَشْرُوعُ أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلَّ أُنْثَى ذَكَرٌ مِنْ بَطْنٍ آخَرَ، فَكَانَ النِّكَاحُ بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ حَرَامٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّوْأَمَيْنِ مَخْلُوقَانِ مِنْ مَاءٍ انْدَفَقَ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَالْوَلَدَانِ مِنْ بَطْنَيْنِ مَخْلُوقَانِ مِنْ مَاءَيْنِ انْدَفَقَا دَفْعَتَيْنِ فَالْأُخْتُ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ أَقْرَبُ مِنْ أُخْتٍ لَا تَكُونُ

ــ

[التلويح]

وَالْإِجْمَاعِ، فَيَكُونُ مِثْلَ جَهْلِ صَاحِبِ الْهَوَى، وَقَيَّدَ السُّنَّةَ بِالْمَشْهُورَةِ، لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْمُتَوَاتِرِ تَكُونُ كُفْرًا لِكَوْنِهِ قَطْعِيًّا، وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ أَيْضًا كَذَلِكَ فَمُخَالَفَتُهُ إنَّمَا لَا تَكُونُ كُفْرًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَتْنُ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَأَمَّا عِنْدَ قَطْعِيَّةِ الْمَتْنِ، وَالدَّلَالَةِ فَالْمُخَالِفُ كَافِرٌ لَا مَحَالَةَ فَلَا بُدَّ هَاهُنَا مِنْ تَقْيِيدِ الْكِتَابِ بِأَنْ لَا يَكُونَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ، وَتَقْيِيدُ السُّنَّةِ بِأَنْ تَكُونَ مَشْهُورَةً أَوْ تَكُونَ مُتَوَاتِرَةً غَيْرَ قَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ فَمِنْ مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ الْقَوْلُ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا عِنْدَ ذَبْحِهِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» ، وَبِأَنَّ الْمُؤْمِنَ ذَاكِرٌ بِقَلْبِهِ التَّسْمِيَةَ، وَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَسْمِيَةُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ» ، وَمِنْهَا الْقَوْلُ بِجَوَازِ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ، وَيَمِينٍ تَمَسُّكًا بِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِشَاهِدٍ، وَيَمِينٍ» ، وَالْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ قِيَامِ نَصِّ الْكِتَابِ خَطَأٌ فِي الِاجْتِهَادِ إلَّا أَنَّ نَصَّ الْكِتَابِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا، فَيَكُونَ قَيْدًا لِلنَّهْيِ عَنْ أَكْلِ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ أَوْ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: ١٢١] فَإِنَّ الْفِسْقَ هُوَ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِحَصْرِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي هِيَ الشَّهَادَةُ الْمَحْضَةُ فِي رَجُلَيْنِ، وَرَجُلٍ، وَامْرَأَتَيْنِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي ثُبُوتَ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ الْبَيِّنَةِ هِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>