للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلَّانِهِ ثِيَابًا نَفِيسَةً، وَبَغْلَةً لَا يَرْكَبُهَا إلَّا أَعَاظِمُ الْمُلُوكِ فَلَبِسَ لِبَاسَ التَّلْبِيسِ وَرَكِبَ الْبَغْلَةَ، وَشُرَكَاءُ دَرْسِهِ يَمْشُونَ فِي رِكَابِهِ مُطْرِقِينَ حَتَّى دَخَلَ السُّوقَ فَظَنَّ التُّجَّارُ أَنَّهُ حَاكِمُ بُخَارَى الْمُلَقَّبُ بِصَدْرِ جهان فَجَلَسَ عَلَى نُمْرُقَةٍ، وَدَعَا صَاحِبَ الْجَارِيَةِ، وَسَاوَمَهَا فَاشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فِي الْمَجْلِسِ بِحَضْرَةِ الْعُدُولِ فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ مُمْتَلِئًا بَهْجَةً وَسُرُورًا وَرَدَّ الْعَوَارِيَّ إلَى أَهْلِهَا فَلَمَّا جَاءَ الْبَائِعُ لِتَقَاضِي الثَّمَنِ لَقِيَ الْمُشْتَرِيَ وَعَرَفَ فُنُونَهُ، فَأَخَذَ يَنْتِفُ عُثْنُونَهُ (وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْنَعُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّ جَارَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُحْجَرُ؛ لِأَنَّ السَّفَهَ لَمَّا كَانَ مُكَابَرَةً وَتَرْكًا لِلْوَاجِبِ عَنْ عِلْمٍ) أَيْ: صَادِرًا عَنْ عِلْمٍ، وَمَعْرِفَةٍ (لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِلنَّظَرِ وَمَا ذُكِرَ

ــ

[التلويح]

عَدَمُ عَمَلٍ بِهِ مُكَابَرَةً، وَتَرْكًا لِلْوَاجِبِ، وَلِهَذَا يُخَاطَبُ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ، وَيُحْبَسُ فِي دُيُونِ الْعِبَادِ، وَتَصِحُّ عِبَارَاتُهُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَاتُ الَّتِي تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ مَعَ أَنَّ ضَرَرَ النَّفْسِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْمَالِ فَتَصَرُّفُهُ يَكُونُ صَادِرًا عَنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَلَا يُمْنَعُ، وَأَمَّا مَا تَمَسَّكَا بِهِ فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ عَدَمَ فِعْلِهِ بِمُوجِبِ الْعَقْلِ لَمَّا كَانَ مُكَابَرَةً لَمْ يَسْتَحِقَّ النَّظَرَ لَهُ كَمَنْ قَصَّرَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مَجَانَةً أَوْ سَفَهًا لَا يَسْتَحِقُّ وَضْعَ الْخِطَابِ عَنْهُ نَظَرًا لَهُ وَلَوْ سَلِمَ فَالنَّظَرُ لَهُ لِدَيْنِهِ جَائِزٌ لَا وَاجِبٌ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْحَجْرِ فَإِنْ قِيلَ: فِي تَرْكِ الْحَجْرِ ضَرَرٌ بِالْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ لِأَحَدٍ، فَيَجِبُ الْحَجْرُ بِخِلَافِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ فَإِنَّ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةً أُجِيبَ بِأَنَّ فِي حَجْرِ السَّفِيهِ أَيْضًا ضَرَرًا هُوَ إبْطَالُ أَهْلِيَّتِهِ، وَإِلْحَاقُهُ بِالْبَهَائِمِ بِخِلَافِ مَنْعِ الْمَالِ بِالنَّصِّ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ كَوْنَ الْحُكْمِ فِي مَنْعِ الْمَالِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَجْرُ عَنْ الْمَالِ عُقُوبَةً، وَزَجْرًا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فَإِنَّ سَبَبَهُ، وَهُوَ مُكَابَرَةُ الْعَقْلِ، وَمُخَالَفَةُ الشَّرْعِ جِنَايَةٌ، وَالْحُكْمُ، وَهُوَ مَنْعُ الْمَالِ صَالِحٌ لِلْعُقُوبَةِ، وَجَازَ تَفْوِيضُهُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ دُونَ الْأَئِمَّةِ لِكَوْنِهِ عُقُوبَةَ تَعْزِيرٍ، وَتَأْدِيبٍ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي الْعُقُوبَاتِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْحُكْمَ مَعْقُولٌ، وَأَنَّ الْحَجْرَ نَظَرٌ لَا عُقُوبَةٌ فَلَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الْقِيَاسِ فَإِنَّ مَنْعَ الْيَدِ عَنْ الْمَالِ إبْطَالُ نِعْمَةٍ زَائِدَةٍ، وَإِلْحَاقٌ لِلسَّفِيهِ بِالْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْحَجْرِ فَإِنَّهُ إبْطَالُ نِعْمَةٍ أَصْلِيَّةٍ هِيَ الْعِبَارَةُ، وَالْأَهْلِيَّةُ إذْ بِهَا يَمْتَازُ الْإِنْسَانُ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ فَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ، وَتَفْوِيتٌ لِنِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ، وَإِلْحَاقٌ لَهُ بِالْبَهَائِمِ، وَفِي تَرْكِ الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مَيْلٌ مَا إلَى اخْتِيَارِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا كَانَ الْحَجْرُ) يَعْنِي: حَجْرَ السَّفِيهِ عِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ بِطَرِيقِ النَّظَرِ لَهُ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَحْكَامِ لَزِمَ أَنْ يَلْحَقَ فِي كُلِّ صُورَةٍ بِمَنْ يَكُونُ الْإِلْحَاقُ بِهِ أَنْظَرَ لَهُ، وَأَلْيَقَ بِحَالِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>