الْمُخَصِّصَ يُشْبِهُ النَّاسِخَ بِصِيغَةٍ، وَالِاسْتِثْنَاءَ بِحُكْمِهِ كَمَا قُلْنَا، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا يَسْقُطُ فِي نَفْسِهِ لِلشَّبَهِ الْأَوَّلِ، وَيُوجِبُ جَهَالَةً فِي الْعَامِّ لِلشَّبَهِ الثَّانِي فَيَدْخُلُ الشَّكُّ فِي سُقُوطِ الْعَامِّ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ) أَيْ: بِالشَّكِّ إذْ قَبْلَ التَّخْصِيصِ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ فَلَمَّا خُصَّ دَخَلَ الشَّكُّ فِي أَنَّهُ هَلْ بَقِيَ مَعْمُولًا بِهِ أَمْ بَطَلَ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ. (وَإِنْ كَانَ) أَيْ: الْمُخَصِّصُ. (مَعْلُومًا فَلِلشَّبَهِ الْأَوَّلِ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ) لَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ فَلِلشَّبَهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُشَابِهُ النَّاسِخَ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ كَمَا يَصِحُّ أَنْ يُعَلِّلَ النَّاسِخَ الَّذِي يَنْسَخُ بَعْضَ أَفْرَادِ الْعَامِّ لِيَنْسَخَ بِالْقِيَاسِ بَعْضًا آخَرَ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَإِنَّ تَعْلِيلَ النَّاسِخِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِحُّ عَلَى مَا يَأْتِي فِي هَذِهِ الصَّفْحَةِ، بَلْ يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَصٌّ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ.
(كَمَا هُوَ عِنْدَنَا) فَإِنَّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ خِلَافًا لِلْجُبَّائِيِّ وَإِذَا صَحَّ تَعْلِيلُهُ لَا يُدْرَى أَنَّهُ كَمْ يَخْرُجُ بِالتَّعْلِيلِ أَيْ: بِالْقِيَاسِ وَكَمْ يَبْقَى تَحْتَ الْعِلْمِ. (فَيُوجِبُ جَهَالَةً فِيمَا بَقِيَ تَحْتَ الْعَامِّ، وَلِلشَّبَهِ الثَّانِي لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْبَعْضِ فَدَخَلَ الشَّكُّ فِي سُقُوطٍ الْعَامِّ فَلَا سَقْطَ بِهِ) أَيْ: الشَّبَهُ الثَّانِي هُوَ شَبَهُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ
ــ
[التلويح]
تَرَاخِيهِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ.
قَوْلُهُ: (لَكِنْ لَا يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخَصِّصَ يُشْبِهُ النَّاسِخَ بِصِيغَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ مَفْهُومٌ بِنَفْسِهِ مُفِيدٌ لِلْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ الْعَامُّ، وَيُشْبِهُ الِاسْتِثْنَاءَ بِحُكْمِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بَيَانُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ فِيمَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ، وَعَدَمُ دُخُولِ الْمَخْصُوصِ تَحْتَ حُكْمِ الْعَامِّ لَا رَفْعُ الْحُكْمِ عَنْ مَحَلِّ الْمَخْصُوصِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، فَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ.
وَالْأَصْلُ فِيمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الشَّبَهَيْنِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِهِمَا وَيُوفِيَ حَظًّا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُبْطِلَ أَحَدَهُمَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَالْمُخَصِّصُ إنْ كَانَ مَجْهُولًا أَيْ: مُتَنَاوِلًا لِمَا هُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَ السَّامِعِ فَمِنْ جِهَةِ اسْتِقْلَالِهِ يَسْقُطُ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَلَا تَتَعَدَّى جَهَالَتُهُ إلَى الْعَامِّ كَالنَّاسِخِ الْمَجْهُولِ، وَمِنْ جِهَةِ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ يُوجِبُ جَهَالَةَ الْعَامِّ، وَسُقُوطَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ لِتَعَدِّي جَهَالَتِهِ إلَيْهِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمَجْهُولِ، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي سُقُوطِ الْعَامِّ، وَقَدْ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، بَلْ يَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ جَهَالَةٍ تُورِثُ زَوَالَ الْيَقِينِ فَيُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا فَمِنْ جِهَةِ اسْتِقْلَالِهِ يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ الْمُسْتَقِلَّةِ فَيُوجِبُ جَهَالَةً فِيمَا بَقِيَ تَحْتَ الْعَامِّ، إذْ لَا يُدْرَى أَنَّهُ كَمْ خَرَجَ بِالْقِيَاسِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُسْقِطَ الْعَامَّ، وَمِنْ جِهَةِ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُبَّائِيُّ كَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَصًّا مُسْتَقِلًّا، بَلْ بِمَنْزِلَةِ وَصْفٍ قَائِمٍ بِصَدْرِ الْكَلَامِ دَالٍّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْمُسْتَثْنَى فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَالْعَدَمُ لَا يُعَلَّلُ فَيَكُونُ مَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ مَعْلُومًا فَيَجِبُ أَنْ يَبْقَى الْعَامُّ بِحَالِهِ، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي عَدَمِ حُجِّيَّةِ الْعَامِّ فَلَا نُبْطِلُ حُجِّيَّتَهُ الثَّابِتَةَ بِيَقِينٍ، بَلْ يَتَمَكَّنُ فِيهِ ضَرْبُ شُبْهَةٍ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُوجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute