للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُرَادَ الْبَعْضُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ مَثَلًا إذَا كَانَ كُلُّ أَفْرَادِهِ مِائَةً، وَعُلِمَ أَنَّ الْمِائَةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَعْدَادِ الَّتِي دُونَ الْمِائَةِ مُسَاوٍ فِي أَنَّ اللَّفْظَ مَجَازٌ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ ثُمَّ ذَكَرَ ثَمَرَةَ تَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِيهِ بِقَوْلِهِ. (فَيَصِيرُ عِنْدَنَا كَالْعَامِّ الَّذِي لَمْ يُخَصَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى يُخَصِّصَهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ) ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ لَا يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ فَقَالَ (لَكِنْ لَا يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّ

ــ

[التلويح]

حَتَّى لَا يَكُونَ مُوجِبًا قَطْعًا وَيَقِينًا.

أَمَّا كَوْنُهُ حُجَّةً فَلِاحْتِجَاجِ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ الْمَخْصُوصُ مِنْهَا الْبَعْضُ شَائِعًا زَائِعًا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا. وَأَمَّا تَمَكُّنُ الشُّبْهَةِ فَلِأَنَّهُ إذَا أُخْرِجَ مِنْهُ الْبَعْضُ لَمْ يَبْقَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْكُلِّ، بَلْ فِيمَا دُونَهُ مَجَازًا، وَمَا دُونَ الْكُلِّ أَفْرَادٌ مُتَعَدِّدَةٌ مُتَسَاوِيَةٌ فِي كَوْنِ اللَّفْظِ مَجَازًا فِيهَا مِنْ غَيْرِ رُجْحَانٍ فَلَا يَثْبُتُ بَعْضٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ.

أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا ذُكِرَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمَخْصُوصِ الْمَجْهُولِ أَمَّا فِي الْمَعْلُومِ فَعَدَمُ الرُّجْحَانِ مَمْنُوعٌ، بَلْ مَجْمُوعُ مَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ مُتَعَيِّنٌ مَثَلًا إذَا أُخْرِجَ مِنْ الْمِائَةِ عَشَرَةٌ تَعَيَّنَ التِّسْعُونَ، وَإِذَا أُخْرِجَ عِشْرُونَ تَعَيَّنَ الثَّمَانُونَ، وَإِذَا أُخْرِجَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَهْلِ الذِّمَّةِ تَعَيَّنَ غَيْرُهُمْ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا يَبْقَى الْعَامُّ حُجَّةً أَصْلًا وَيَصِيرُ مُجْمَلًا مَوْقُوفًا عَلَى الْبَيَانِ، وَغَايَةُ تَوْجِيهِهِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ، بَلْ إنْ كَانَ الْمَخْصُوصُ مَجْهُولًا لَا يَتَرَجَّحُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا يَتَرَجَّحُ مَجْمُوعُ مَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ لَكِنْ ظَنًّا لَا قَطْعًا لِاحْتِمَالِ خُرُوجِ بَعْضٍ آخَرَ بِالتَّعْلِيلِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ " لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ " مُخْتَصًّا بِصُورَةِ الْمَجْهُولِ.

(قَوْلُهُ حَتَّى يُخَصِّصَهُ) يَعْنِي: لَمَّا لَمْ يَبْقَ الْعَامُّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ قَطْعِيًّا جَازَ فِي الْعَامِّ بَعْدَ التَّخْصِيصِ مِنْ الْكِتَابِ، وَالْمُتَوَاتِرِ مِنْ الْحَدِيثِ مَعْلُومًا كَانَ الْمَخْصُوصُ أَوْ مَجْهُولًا أَنْ يُخَصَّصَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ إجْمَاعًا وَيُعْلَمُ مِنْ جَوَازِ تَخْصِيصِهِ بِالْقِيَاسِ أَنَّهُ دُونَ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الدَّرَجَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِخَبَرِ الْوَاحِدِ حَتَّى رَجَّحُوا خَبَرَ الْقَهْقَهَةِ عَلَى الْقِيَاسِ وَكَذَا خَبَرُ الْأَكْلِ نَاسِيًا فِي الصَّوْمِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِيمَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ إنَّمَا هُوَ مَعَ شَكٍّ فِي أَصْلِهِ، وَاحْتِمَالٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُعَارِضَهُ الْقِيَاسُ بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَصْلِهِ، وَإِنَّمَا الِاحْتِمَالُ فِي طَرِيقِهِ بِاعْتِبَارِ تَوَهُّمِ غَلَطِ الرَّاوِي أَوْ مَيْلِهِ عَنْ الصِّدْقِ إلَى الْكَذِبِ فَلَا يَصْلُحُ الْقِيَاسُ مُعَارِضًا لَهُ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ هَذَا الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَنَّ الْمُخَصِّصَ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِلْقَطْعِ بِتَرَاخِي الْقِيَاسِ عَنْ الْكِتَابِ وَلَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ لَا مُثْبِتٌ، فَالْمُخَصِّصُ بِالْحَقِيقَةِ هُوَ النَّصُّ الْمُثْبِتُ لِلْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُعْلَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>