للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجُرْحِ، وَالزِّنَا؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الرُّخْصَةِ خَوْفُ الْهَلَاكِ وَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) أَيْ: الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ وَإِذَا كَانَ سَوَاءً لَا يَحِلُّ لِلْفَاعِلِ قَتْلُ غَيْرِهِ لِيُخَلِّصَ نَفْسَهُ (وَكَذَا جُرْحُ الْغَيْرِ) أَيْ: إذَا أُكْرِهَ عَلَى جُرْحِ الْغَيْرِ بِالْقَتْلِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْجُرْحُ (لَا جُرْحُ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَطْعِ يَدِهِ بِالْقَتْلِ حَلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ نَفْسِهِ فَوْقَ حُرْمَةِ يَدِهِ، وَلَا كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَيْرِ، وَالزِّنَا قَتْلٌ مَعْنًى) فَإِنَّ وَلَدَ الزِّنَا بِمَنْزِلَةِ الْهَالِكِ فَإِنَّ انْقِطَاعَ نَسَبِهِ مِنْ الْغَيْرِ هَلَاكٌ فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يَحِلُّ لَهُ الزِّنَا (وَحُرْمَةٌ تَسْقُطُ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ فَالْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ يُبِيحُهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْحُرْمَةِ حِلٌّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩] (حَتَّى إنْ امْتَنَعَ

ــ

[التلويح]

وَالْإِكْرَاهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ إكْرَاهٌ عَلَى حَرَامٍ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ تَرْكِ الصَّلَاةِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ مُؤَبَّدَةٌ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ لَكِنَّ الصَّلَاةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مُحْتَمِلٌ لِلسُّقُوطِ فِي الْجُمْلَةِ بِالْأَعْذَارِ، وَكَذَا الصَّوْمُ، وَالْحَجُّ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ.

(قَوْلُهُ: وَزِنَا الْمَرْأَةِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ) يَعْنِي: إذَا أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا فَتَمْكِينُهَا مِنْ الزِّنَا حَرَامٌ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً هِيَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُحْتَمِلَةِ لِلسُّقُوطِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الزِّنَا حَقُّ اللَّهِ فَرَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ فِي الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ، وَلَا يُرَخَّصُ فِي غَيْرِ الْمُلْجِئِ لَكِنْ يَسْقُطُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، وَفِي كَوْنِ حُرْمَةِ الزِّنَا مِمَّا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ نَظَرٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ، وَزِنَا الْمَرْأَةِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَنَّ حُرْمَتَهُ مِنْ قَبِيلِ الْحُرْمَةِ الَّتِي لَا تَسْقُطُ لَكِنْ تَحْتَمِلُ الرُّخْصَةَ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ، وَهِيَ أَيْ: تِلْكَ الْحُرْمَةُ إمَّا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ مُشْعِرٌ بِأَنَّ تِلْكَ الْحُقُوقَ تُغَايِرُ تِلْكَ الْحُرْمَةَ، وَمُتَعَلِّقَاتهَا فَإِنَّ الْحَرَامَ هُوَ إجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْإِيمَانُ، وَفِي الْعِبَادَاتِ الْحَرَامُ هُوَ تَرْكُ الصَّلَاةِ مَثَلًا، وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الصَّلَاةُ، فَيَكُونُ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الزِّنَا عَلَيْهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى تَسَامُحٌ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْعِصْمَةَ مِنْ الزِّنَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَرْكُهَا حَرَامٌ حُرْمَةً لَا تَسْقُطُ أَبَدًا لَكِنْ تَحْتَمِلُ الرُّخْصَةَ.

(قَوْلُهُ: وَيُحَدُّ هُوَ) أَيْ: يُحَدُّ الرَّجُلُ الْمُكْرَهُ عَلَى الزِّنَا إكْرَاهًا غَيْرَ مُلْجِئٍ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ لَا يَكُونُ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَكُونَ غَيْرَ الْمُلْجِئِ شُبْهَةُ رُخْصَةٍ نَعَمْ لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ فِي الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُنْزَجِرًا إلَى حِينِ خَوْفِ فَوَاتِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ رَفْعٌ لِذَلِكَ لَا قَضَاءٌ لِلشَّهْوَةِ، وَانْتِشَارُ الْآلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا بِالْفُحُولَةِ الْمُرَكَّبَةِ فِي الرِّجَالِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِتْلَافُ مَالِ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ حُرْمَةً هِيَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ، وَوُجُوبَ عَدَمِ إتْلَافِهِ حَقٌّ لِلْعِبَادِ، وَالْحُرْمَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَرْكِ الْعِصْمَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>