للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَثِمَ لَا غَيْرُ الْمُلْجِئِ) أَيْ: لَا يُبِيحُهَا غَيْرُ الْمُلْجِئِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ (وَحُرْمَةٌ لَا تَسْقُطُ لَكِنْ تَحْتَمِلُ الرُّخْصَةَ وَهِيَ إمَّا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ أَبَدًا كَإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ أَبَدًا، وَإِمَّا فِي حُقُوقِهِ تَعَالَى الَّتِي تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فِي الْجُمْلَةِ كَالْعِبَادَاتِ فَيُرَخَّصُ بِالْمُلْجِئِ، وَإِنْ صَبَرَ صَارَ شَهِيدًا وَقَدْ مَرَّ فِي فَصْلِ الرُّخْصَةِ وَزِنَا الْمَرْأَةِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى قَطْعِ النَّسَبِ بِخِلَافِ زِنَاهُ) أَيْ: إذَا أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا بِالْمُلْجِئِ رُخِّصَ لَهَا فَإِنَّ حُرْمَةَ الزِّنَا عَلَيْهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِكْرَاهِ عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ إذْ فِي زِنَا الْمَرْأَةِ لَيْسَ قَطْعُ النَّسَبِ إذْ لَا نَسَبَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَلَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَتْلِ النَّفْسِ.

ــ

[التلويح]

كَمَا ذُكِرَ فِي حُرْمَةِ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ أَنَّ الْإِيمَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَى كَوْنِ الْحُرْمَةِ فِيهِ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِتَرْكِهِ، وَتِلْكَ الْحُرْمَةُ أَعْنِي: حُرْمَةَ إتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ، وَحُرْمَةُ الظُّلْمِ مُؤَبَّدَةٌ لَكِنَّهَا تَحْتَمِلُ الرُّخْصَةَ حَتَّى لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ إكْرَاهًا مُلْجِئًا رُخِّصَ فِيهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ فَوْقَ حُرْمَةِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُهَانٌ مُبْتَذَلٌ رُبَّمَا يَجْعَلُهُ صَاحِبُهُ صِيَانَةً لِنَفْسِ الْغَيْرِ أَوْ طَرَفِهِ لَكِنَّ إتْلَافَ مَالِ الْمُسْلِمِ فِي نَفْسِهِ ظُلْمٌ، وَبِالْإِكْرَاهِ لَا تَزُولُ عِصْمَةُ الْمَالِ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ لِبَقَاءِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، فَيَكُونُ إتْلَافُهُ، وَإِنْ رُخِّصَ فِيهِ بَاقِيًا عَلَى الْحُرْمَةِ فَإِنْ صَبَرَ عَلَى الْقَتْلِ كَانَ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ لِدَفْعِ الظُّلْمِ كَمَا إذَا امْتَنَعَ عَنْ تَرْكِ الْفَرَائِضِ مِنْ الْعِبَادَاتِ حَتَّى قُتِلَ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْعِبَادَاتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ التَّرْكِ فِيهَا مِنْ بَابِ إعْزَازِ الدِّينِ قَيَّدُوا الْحُكْمَ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَقَالُوا: كَانَ شَهِيدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمَّا كَانَتْ الْحُرْمَةُ الَّتِي لَا تَسْقُطُ لَكِنْ تَحْتَمِلُ الرُّخْصَةَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ مِثْلَهَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُحْتَمِلَةِ لِلسُّقُوطِ، وَحُقُوقِ الْغَيْرِ الْمُحْتَمِلَةِ لَهُ قَالَ: وَحُكْمُهُ حُكْمُ أَخَوَيْهِ بِمَعْنَى أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْقِسْمِ حُكْمُ الْقِسْمَيْنِ السَّابِقَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا قِسْمَانِ لِهَذَا الْقِسْمِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ الْمُرَادُ بِأَخَوَيْهِ حُرْمَةٌ لَا تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، وَحُرْمَةٌ تَحْتَمِلُهُ لَكِنْ لَمْ تَسْقُطْ، وَهُمَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى تَسَامُحًا؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ السُّقُوطِ، وَعَدَمَهُ فِي الْقِسْمَيْنِ السَّابِقِينَ إنَّمَا هُوَ صِفَةُ الْحُقُوقِ لَا صِفَةُ الْحُرْمَةِ نَفْسِهَا، وَذَلِكَ كَالْإِيمَانِ، وَالصَّلَاةِ فَإِنَّ حُرْمَةَ تَرْكِهِمَا لَا تَسْقُطُ أَصْلًا لَكِنَّ نَفْسَ الصَّلَاةِ تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ فِي الْجُمْلَةِ بِالْأَعْذَارِ بِخِلَافِ الْإِيمَانِ.

(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ الضَّمَانُ) أَيْ: يَجِبُ عَلَى مَنْ أَكْرَهَ غَيْرُهُ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ ضَمَانُ مَا أُتْلِفَ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَعْصُومٌ حَقًّا لِصَاحِبِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِحَالٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ مَعْلُومٌ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ فِي صُورَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ نَفْسِهِ يُنْسَبُ الْفِعْلُ إلَى نَفْسِ الْحَامِلِ، وَيُجْعَلُ الْفَاعِلُ آلَةً إلَّا أَنَّ فِي ذِكْرِهِ هَاهُنَا تَصْرِيحًا بِالْمَقْصُودِ، وَخَتْمًا لِلْكِتَابِ عَلَى لَفْظِ وُجُودِ الْعِصْمَةِ عَصَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعَوْنِهِ الْكَرِيمِ عَنْ اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَوَفَّقَنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>