للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ بَاقٍ مِنْ وَجْهٍ، وَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَتَبْقَى الْجَمْعِيَّةُ عَلَى حَالِهَا يَبْطُلُ اللَّامُ بِالْكُلِّيَّةِ فَحَمْلُهُ عَلَى تَعْرِيفِ الْجِنْسِ، وَإِبْطَالِ الْجَمْعِيَّةِ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ مُوجِبِ الْأَمْرِ فِي مَعْنَى الْعُمُومِ، وَالتَّكْرَارِ لِأَنَّا إذَا أَبْقَيْنَاهُ جَمْعًا لَغَا حَرْفَ الْعَهْدِ أَصْلًا إلَى آخِرِهِ فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْأَبْحَاثِ أَنَّ مَا قَالُوا أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْجِنْسِ مَجَازًا مُقَيَّدٌ بِصُوَرٍ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْعَهْدِ، وَالِاسْتِغْرَاقِ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا فِي

ــ

[التلويح]

هَذَا الْجَمْعُ لِلْجِنْسِ حَرْفُ اللَّامِ مَعْمُولٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى تَعْرِيفِ الْجِنْسِ أَيْ الْإِشَارَةُ إلَى هَذَا الْجِنْسِ مِنْ الْأَجْنَاسِ، وَمَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ بَاقٍ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْجِنْسَ يَدُلُّ عَلَى الْكَثْرَةِ تَضَمُّنًا بِمَعْنَى أَنَّهُ مَفْهُومٌ كُلِّيٌّ لَا تُمْنَعُ شَرِكَةُ الْكَثِيرِ فِيهِ لَا بِمَعْنَى أَنَّ الْكَثْرَةَ جُزْءُ مَفْهُومِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ يَتَضَمَّنُ الْجَمْعَ فَمَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ، وَهُوَ التَّكَثُّرُ بَاقٍ مِنْ وَجْهٍ، وَإِنْ بَطَلَ مِنْ وَجْهٍ حَيْثُ صَحَّ الْحَمْلُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْجَمْعِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ عَهْدِيَّتِهِ، وَحُضُورِهِ فِي الذِّهْنِ فَيَكُونُ اللَّامُ مَعْمُولًا، وَالْجَمْعِيَّةُ بَاقِيَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يُقَالُ الْكَلَامُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَعْهُودٌ لِأَنَّا نَقُولُ تَقْدِيرُ عَدَمِ الْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ تَقْدِيرٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ عُلِمَ مَدْلُولُهُ جَازَ تَعْرِيفُهُ بِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ إلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا حَاضِرَةٌ فِي الذِّهْنِ فَحِينَئِذٍ لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ، وَالصَّحِيحُ فِي إثْبَاتِ كَوْنِ الْجَمْعِ مَجَازًا عَنْ الْجِنْسِ التَّمَسُّكُ بِوُقُوعِهِ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: ٥٢] ، وَقَوْلُهُمْ فُلَانٌ يَرْكَبُ الْخَيْلَ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا مَعْنَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ) عِبَارَتُهُ أَنَّ مِثْلَ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ لَا أَشْتَرِي الثِّيَابَ يَقَعُ عَلَى الْأَقَلِّ، وَيَحْتَمِلُ الْكُلَّ لِأَنَّ هَذَا جَمْعٌ صَارَ مَجَازًا عَنْ اسْمِ الْجِنْسِ لِأَنَّا إذَا أَبْقَيْنَاهُ جَمْعًا لَغَا حَرْفُ الْعَهْدِ أَصْلًا، وَإِذَا جَعَلْنَاهُ جِنْسًا بَقِيَ حَرْفُ اللَّامِ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَبَقِيَ مَعْنَى الْجَمْعِ فِي الْجِنْسِ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ الْجِنْسُ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ: فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْأَبْحَاثِ) لَا شَكَّ أَنَّ حَمْلَ الْجَمْعِ عَلَى الْجِنْسِ مُجَاوِزٌ وَعَلَى الْعَهْدِ أَوْ الِاسْتِغْرَاقِ حَقِيقَةً، وَلَا مَسَاغَ لِلْخُلْفِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَلَا شَيْءَ فِيهَا لَزِمَهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ يَقَعُ عَلَى الْعَشَرَةِ عِنْدَهُ، وَعَلَى الْأُسْبُوعِ، وَالسَّنَةِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْعَهْدُ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْجِنْسِ فَلِهَذَا قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] إنَّهُ لِلِاسْتِغْرَاقِ دُونَ الْجِنْسِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُدْرِكُهُ كُلُّ بَصَرٍ، وَهُوَ سَلْبُ الْعُمُومِ أَيْ نَفْيُ الشُّمُولِ، وَرَفْعُ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ فَيَكُونُ سَلْبًا جُزْئِيًّا، وَلَيْسَ الْمَعْنَى لَا يُدْرِكُهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَبْصَارِ لِيَكُونَ عُمُومُ السَّلْبِ أَيْ شُمُولُ النَّفْيِ لِكُلِّ أَحَدٍ فَيَكُونُ سَلْبًا كُلِّيًّا لَا يُقَالُ كَمَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ فِي الْإِثْبَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>