للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْله تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] فَإِنَّ عُلَمَاءَنَا قَالُوا إنَّهُ لِسَلْبِ الْعُمُومِ لَا لِعُمُومِ السَّلْبِ فَجَعَلُوا اللَّامَ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسَ.

(وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِغَيْرِ اللَّامِ نَحْوُ عَبِيدِي أَحْرَارٌ عَامٌّ أَيْضًا لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْجَمْعِ الْمُنْكَرِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ عَامٍّ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ عَامٌّ لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] ، وَالنَّحْوِيُّونَ حَمَلُوا إلَّا عَلَى غَيْرِهِ) .

(وَمِنْهَا الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَعْهُودِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: ٢ - ٣]

ــ

[التلويح]

لِإِيجَابِ الْحُكْمِ لِكُلِّ فَرْدٍ كَذَلِكَ هُوَ فِي النَّفْيِ لِسَلْبِ الْحُكْمِ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر: ٣١] {فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: ٣٢] {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المنافقون: ٦] لِأَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلْجِنْسِ وَالْجِنْسُ فِي النَّفْيِ يَعُمُّ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّهَا لَا تَعُمُّ الْأَحْوَالَ، وَالْأَوْقَاتَ، وَبِأَنَّ الْإِدْرَاكَ بِالْبَصَرِ أَخَصُّ مِنْ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ نَفْيُهَا.

(قَوْلُهُ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ} [الحجر: ٤٢] فَإِنْ قِيلَ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْعُمُومِ فَإِثْبَاتُ الْعُمُومِ بِهَا دَوْرٌ قُلْنَا يَثْبُتُ الْعِلْمُ بِالْعُمُومِ بِوُقُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَيَكُونُ اسْتِدْلَالًا بِالِاسْتِعْمَالِ وَالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ، وَاخْتُلِفَ فِي الْجَمْعِ الْمُنْكَرِ) لَا شَكَّ فِي عُمُومِهِ بِمَعْنَى انْتِظَامِ جَمْعٍ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْعُمُومِ بِوَصْفِ الِاسْتِغْرَاقِ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعَامٍّ لِأَنَّ رِجَالًا فِي الْجُمُوعِ كَرَجُلٍ فِي الْوِجْدَانِ يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى كُلِّ جَمْعٍ كَمَا يَصِحُّ إطْلَاقُ رَجُلٍ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَيَكُونُ عَامًّا لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْ لِلِاسْتِغْرَاقِ لَكَانَ لِلْبَعْضِ، وَلَا قَائِلَ بِهِ إذْ لَا نِزَاعَ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْكُلِّ حَقِيقَةً، وَلِأَنَّ فِي حَمْلِهِ عَلَى مَا دُونَ الْكُلِّ إجْمَالًا لِاسْتِوَاءِ جَمِيعِ الْمَرَاتِبِ فِي مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْأَقَلِّ لِتَيَقُّنِهِ أَوْ عَلَى الْكُلِّ لِكَثْرَةِ فَائِدَتِهِ، وَهَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّ الْجَمْعِيَّةَ بِالْعُمُومِ، وَالشُّمُولِ أَنْسَبُ، وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ إطْلَاقُهُ عَلَى كُلِّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْجُمُوعِ فَحَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ حَمْلٌ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِهِ فَكَانَ أَوْلَى وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ إنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ بَلْ صِفَةٌ، وَلَوْ كَانَ اسْتِثْنَاءً لَوَجَبَ نَصْبُهُ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ الِاسْتِغْرَاقِ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ عَدَمِهِ لِتَلْزَمَ الْبَعْضِيَّةُ بَلْ هُوَ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْكُلِّ، وَالْبَعْضِ، وَعَنْ الثَّالِثِ، وَالرَّابِعِ أَنَّهُ إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ إيهَامٌ كَمَا فِي رَجُلٍ لَا إجْمَالَ إذْ يُعْرَفُ أَنَّ مَعْنَاهُ جَمْعٌ مِنْ الرِّجَالِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَعْيِينَ عَدَدِهِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقَائِقِ إنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِكُلِّ مَرْتَبَةٍ وَضْعًا عَلَى حِدَةٍ لِيَكُونَ مُشْتَرَكًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْمَفْهُومِ الْأَعَمِّ الصَّادِقِ عَلَى كُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>