للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ما أوتيه - صلى الله عليه وسلم - من الشفقة لجميع المؤمنين.

قوله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي}: خصَّ نفسه بالمغفرة، وقدّمها في الدعاء هضماً لها وشعوراً بالتقصير مما لا يسلم منه البشر.

قوله: {وَلِوَالِدَيَّ} دعا لهما بالمغفرة لعظم حقهما عليه، كما قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (١)، إلا أنه دعا لأبيه بالمغفرة إنما كان عن موعدة وعدها إياه، فلمّا أصرّ على الكفر تبرأ منه قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} (٢)، فدلّت الآية الكريمة على عدم جواز الدعاء للمشركين بالمغفرة ما داموا على الكفر، والشرك سواء كان في حياتهم أو بعد مماتهم؛ لكن له أن يدعو لهم بالهداية والتوفيق للإيمان، كما قال الإمام البخاري رحمه اللَّه في صحيحه: ((باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم)) (٣)، ثم ذكر الأدلة في ذلك.

وقوله: {وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}: أي واستر ذنوب المؤمنين، وتجاوز عن سيئاتهم يوم يثبت ويتحقق محاسبة أعمال المكلَّفين على الوجه الأعدل منك، ولا يوجد أعدل منك يا ربنا.

وفي هذه الدعوة البشارة الكبيرة لكل مؤمن ومؤمنة بالمغفرة؛ لأن


(١) سورة الإسراء، الآية: ٢٤.
(٢) سورة التوبة، الآية: ١١٤.
(٣) البخاري، كتاب الجهاد، باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألّفهم، قبل الحديث رقم ٢٩٣٧.

<<  <   >  >>