فمن الأدب في خطاب العظماء أن يُقدّم لهم الثناء والمدائح قبل سؤالهم، وللَّه المثل الأعلى، فهو تعالى أولى بهذا المقصد، وقد جاء هذا الأدب في ثنايا كتاب اللَّه الحكيم، ظاهر في غاية الظهور والبيان في سورة الفاتحة، حيث افتتحها عز شأنه بالحمد والثناء عليه، إرشاداً وتعليماً لنا في تقديم الحمد والثناء عليه تعالى قبل دعائه.
وجاء في السنة المطهرة ما يؤكد أهمية هذا الأمر كذلك، فقد سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يدعو في صلاته، فلم يُصلِّ على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((عَجَّلَ هَذَا))، ثم دعاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ:((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحمِيدِ ربه وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ لِيَدْعُ بِمَا شَاءَ)) (١).
فقوله:((عجل هذا)): حيث قدم الوسيلة قبل الغاية، وهو الدعاء، وهذا من الاستعجال الذي لا يستحب في هذا المقام الكريم.
لذا ينبغي للعبد أن يتخيَّر لدعائه والثناء على ربه - عز وجل - أحسن الألفاظ، وأنبلها، وأعظمها؛ لأنه يخاطب ملك الملوك ربّ
(١) سنن أبي داود، كتاب الوتر، باب الدعاء، ١/ ٥٥١، برقم ١٤٨٣، وسنن الترمذي، كتاب اللباس، باب بأي رِجل يبدأ إذا انتعل، ٤/ ٢٤٤، برقم ١٧٧٩، وسنن ابن ماجه، كتاب اللباس، باب لبس النعال وخلعها، ٢/ ١١٩٥، برقم ٣٦١٦، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم ٣٤٧٦.