للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: نعم. ثم قال: لا، والذي نصبها بَنيّة (١)، ما فهمتُ شيئًا ممّا قال غير أنّه قد أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. قالوا: ويلك، يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال؟! قال: لا والله، ما فهمت شيئًا مما قال غير ذكر الصاعقة (٢).

فكل هذه الروايات دلائل على أن القوم لديهم في أنفسهم اعتراف بالحقّ، وإصرار على الباطل، واعتصام بالدنيا، وركون إِلى الجاه والمنزلة، وانتهى الأمر بكبار هؤلاء إِلى قليب من قُلُب بدر الكبرى جيفة نتنة: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} (٣).

[دروس وعبر]

١ - ثبات النبي - صلى الله عليه وسلم - على الحق والدعوة إِلى الإِسلام كما أمره الله، فبدأ أولًا سرًا، حتى إِذا وجد أنصارًا أمره الله بالإِعلان فأعلن ثابتًا غير هياب. والإِعلان والإِسرار في البلاغ هو بحسب الأحوال والمصالح الشرعية والأصل الإِعلان، والإِسرار استثناء.

٢ - تعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمغريات كثيرة من المشركين، ولم تغير من منهجه شيئًا حيث استمر في دعوته إِلى الحق بكل ثبات وطمأنينة إِلى ما معه من الحق.

٣ - أوذي أصحابه - رضي الله عنهم - وواجههم المشركون بألوان من الأذى والتعذيب، فصبروا حتى اجتازوا المحنة ونصرهم الله ومَكّن لهم.

٤ - تعدد الأساليب التي واجه بها المشركون دعوة الحق وتنوعها -معنوية وحسية-


(١) البنية: المراد الكعبة لأنها بنية إِبراهيم -عليه السلام-.
(٢) ابن أبي شيبة، المصنف ح ١٨٤٠٩، والبيهقي في الدلائل ٢/ ٢٠٢ بأطول من هذا، وانظر: البداية والنهاية ٤/ ١٥٥. وقال الهيثمي في الجمع ٦/ ٢٠: فيه الأجلح الكندي مختلف في توثيقه وبقية رجاله ثقات.
(٣) سورة طه، آية ١٢٧.

<<  <   >  >>