للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[خطبة النبي (صلى الله عليه وسلم) الأخيرة (سببها ومضمونها)]

وقد حزن الأنصار رضي الله عنهم لمرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمر بهم العباس وهم يبكون، فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - منا، فدخل العباس على رسول الله فأخبره بذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: صُبّوا عليّ من سبع قِرَب من سبع آبار شتى، حتى أخرج إِلى الناس فأعهد إِليهم، فصبوا عليه فوجد راحة فخرج -وذلك قبل أن يموت بخمس- عاصبًا رأسه بخرقة حتى أهوى إِلى المنبر، وكان آخر مجلس جلسه، فحمد الله وأثنى عليه واستغفر للشهداء من أصحاب أحد ودعا لهم ثم قال: أيها الناس ثوبوا (١) إِلي، فثابوا إِليه ثم قال:

أما بعد: أوصيكم بالأنصار خيرا فإِنهم كرشي وعيبتي (٢)، فأكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم إِلا في حَدّ (٣)، وإِن عبدًا خَيّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده، فلم يفطن لها أحدُ غير أبي بكر فبكى وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا -يقول أبو سعيد الخدري- فعجبنا له وقلنا ما لهذا الشيخ يبكي، فكان رسول الله هو المخَيّر وكان أبو بكر أعَلَمنَا، وقال رسول الله: يا أبا بكر لا تبك، إِن من أمَنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكن أخوة الإِسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إِلا سُدّ إِلا بابَ أبي بكر (٤).

وإِني بين أيديكم فرط (٥)، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإِني لأنظر إِليه من مقامي هذا. وإن عرضه كما بين أيلة إِلى الجحفة.


(١) ثوبوا إلي: اجتمعوا واقتربوا حتى يسمعوا ما يقول.
(٢) كرشي وعيبتي: خاصتي وموضع سري.
(٣) صحيح البخاري ح ٣٧٩٩، ومسلم ح ٢٥١٠.
(٤) صحيح البخاري ح ٣٦٥٤.
(٥) فرط: متقدم وسابق إِلى الحوض.

<<  <   >  >>