للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عمرو ابن عوف، وكبَّر المسلمون فرحًا بقدومه، وخرجوا للقائه، فتلقّوْهُ وحيَّوه بتحية النبوة، وأحدقوا به مطيفين حولَه، والسكينة تغشاه، والوحي ينزِل عليه، فسار حتى نزل - صلى الله عليه وسلم - بقباء على كلثوم بن الهدم. وجاء المسلمون يسلِّمون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وأكثرهم لم يره بعدُ، وكان بعضهم أو أكثرهم يظنُّه أبا بكر لكثرة شيبة، فلما اشتدَّ الحرُّ قام أبو بكر بثوب يُظلِلُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتحقق الناسُ حينئذ رسولَ الله عليه الصلاة والسلام (١).

وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد خرج من مكة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين (٢)، واستغرقت الهجرة النبوية الشريفة خمسة عشر يومًا، قضى منها - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيّام في غار ثور متخفيًا (٣).

[استقراره عليه الصلاة والسلام بالدينة]

فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقباء أربعة عشر يومًا، وأسس مسجد قباء، ثم ركب بأمر الله تعالى فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلاّها في المسجد الذي في بطن رانونا (٤)، ورغب إِليه أهلُ تلك الدار أن ينزل عليهم، فقال: "دعوها، فإِنّها مأمورة"، فلم تزل ناقته سائرة به لا تمرّ بدار من دور الأنصار، إِلَّا رغبوا إِليه في النزول عليهم، فيقول: "دعوها، فإِنّها مأمورة".

فلما جاءت موضع مسجدِه اليومَ بركت، ولم ينزل عنها - صلى الله عليه وسلم -، حتى نهضت وسارت قليلًا، ثم التفتت ورجعت فبركت في موضعها الأول، فنزل عنها - صلى الله عليه وسلم -، وذلك في دار


(١) جزء من حديث أخرجه البخاري في المناقب، باب هجرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إِلى المدينة ح (٣٠٦٩).
(٢) أخرجه أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما (١/ ٢٧٧)، وفيه: ابن لهيعة.
(٣) انظر: البداية والنهاية (٣/ ٤٧٢).
(٤) رانونا: واد يبدأ من جنوب غربي قباء ويلتقي بوادي بُطحان قرب المدينة.

<<  <   >  >>