كان من شروط صلح الحديبية أن لكل قبيلة الحق في أن تتحالف مع من شاءت. فأعلنت خزاعة تحالفها مع محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وأعلنت بنو بكر تحالفها مع قريش، وكان بين هاتين القبيلتين ثارات جاهلية، وآخرها تمكن خزاعة من قتل أشراف بني كنانة من بني الأسود بن رَزْن الدِّيلي عند أنصاب الحرم من جهة عرفة، وقد حجز الإِسلام بينهم حتى كانت السنة الثامنة للهجرة حيث حانت فرصة لبني الأسود بن رَزن الديلي للأخذ بثأرهم، حين اجتمعت خزاعة على ماء يقال له الوتير (١) بأسفل مكة فهجدوهم ليلًا، وكان الأمر مباغتا لخزاعة فلم تستعد لقتال، ولذا فروا من المكان باتجاه الحرم، وحينما دخلوا حدود الحرم قال أناس من بني الديل لزعيمهم نوفل بن معاوية الديلي: إِلاهك، إِلاهك، فقال كلمة عظيمة:"لا إِله له اليوم، يا بني بكر أصيبوا ثأركم" فقاتلوا في الحرم وانتهكوا حرمته.
وكان المفترض أن قريشا تمنع مثل هذا الاعتداء وتستنكره، ولكنها أعانت على خزاعة بالسلاح وقيل بل شارك بعضهم كسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية وغيرهما.
وأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إِلى المدينة ووقف أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال منشدًا هذه الأبيات:
يا رب إِني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتموا وُلدًا وبها والدا ... ثمة أسلمنا ولم ننزع يدا
فانصر، هداك الله، نصرا أعتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله، قد تجردا ... إِن سيم خسفا وجهه تربدا
(١) الوتير: ماء في أسفل حي الكعكية الحالي بعد أنصاب الحرم. وقد هربوا منه جهة عرفه ثم دخلوا الحرم من هناك. انظر: عاتق البلادي، معجم معالم السيرة النبوية (ص ٣٣١).