للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هم المسلمون، ويمثلون أمة واحدة، وإِن اختلفت أوطانهم ولغاتهم وتباعدت أزمانهم واختلفت شرائعهم، كما قال تعالى بعد ذكر جملة من الأنبياء: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (١) فأتباع الرسل أمة واحدة، وهي أمة التوحيد، وحزب الرحمن، وأهل الحق والأِيمان، وهم المسلمون.

أما الذين كذبوا الرسل فهم أمة الكفر والضلال، وهم حزب الشيطان، وهم أمة واحدة مهما اختلفت أوطانهم ومذاهبهم وأزمانهم، فإِن السَّمة الجامعة لهم هي الشرك وعبادة غير الله.

وهذا المفهوم يوضح منزلة السيرة النبوية بين سير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإِن كان نطاقها الزماني محدودًا بحياة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الولادة حتى الوفاة، فهي امتداد لسير الأنبياء قبله، واستمرار لتاريخ أمة الإِسلام المهتدين بهديه من بعده حتى قيام الساعة.

[النطاق المكاني للسيرة النبوية]

بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة بلد الله الحرام، وفيها بيته المعظم الذي رفع قواعده إِبراهيم الخليل وابنه إِسماعيل جَدُّ العرب، والنبي - صلى الله عليه وسلم - من أهلها وقد ولد ونشأ فيها، ومكة يومئذ حاضرة الجزيرة العربية الكبرى، ولها مكانة دينية عندهم حيث يحجون إِليها كل عام، ثم هاجر - صلى الله عليه وسلم - إِلى المدينة النبوية بعد ثلاث عشرة سنة من النبوة، وفيها أسس بناء دولة الإِسلام، وابتدأ الجهاد حتى فتح مكة وما حولها، ثم أتته الوفود مُسْلِمة ومستسلمة في العام التاسع من الهجرة، ولم ينتقل إِلى الرفيق الأعلى حتى كانت الجزيرة كلها خاضعة لسلطان الإِسلام، وأهلها إِما مسلمون، وإِما معاهدون مسالمون، والرسول - صلى الله عليه وسلم - هو أول من جمع الجزيرة العربية بكاملها في وحدة واحدة، وحدة فكرية عقدية، ووحدة سياسية


(١) سورة الأنبِياء آية ٩٢.

<<  <   >  >>