للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فبادر بالهجرة إِلى المدينة من حين أذن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولكن أمّ سلمة احتبست دونه، ومُنِعَتْ من اللحاق به، وحيل بينها وبين ولدها، ثم خرجت بعد سنةٍ بولدها إِلى المدينة، وشيعها عثمان بن طلحة من مكة إِلى أن رأت بلدة قباء بالمدينة، ثم تركها وعاد إِلى مكة، وذلك قبل إِسلامه فرضي الله عنه (١). ثم خرج الناس أرسالًا يتبعُ بعضهم بعضًا.

[هجرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)]

قال الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} (٢). قال قتادة: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ}، المدينة: {وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ}، الهجرة من مكة: {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا}، كتاب الله وفرائضه وحدوده (٣).

لم يبق من المسلمين في مكة إِلَّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعليّ رضي الله تعالى عنهما -أقاما بأمره لهما- وخلا من اعتقله المشركون كرها، وقد أعّد أبو بكر - رضي الله عنه - جهازه وجهاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منتظرًا؛ حتى يأذن الله عَزَّ وَجَلَّ لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في الخروج.

فلمّا رأى المشركون أصحابَ رسول الله قد تجهزوا، وخرجوا، وحملوا وساقوا الذراري والأطفال والأموال إِلى الأوس والخزرج، وعرفوا أنّ الدارَ دارُ مَنَعَة، وأنّ القومَ أهلُ حَلْقة وشوكة وبأس؛ خافوا خروجَ رسولِ الله إِليهم، ولحوقه بهم، فيشتد عليهم أمره، فاجتمعوا في دار الندوة، ولم يتخلفْ أحدٌ من أهل الرأيّ والحِجَا منهم؛ ليتشاوروا في أمره، وحضرهم وليُّهم إِبليسُ في صورة شيخ كبير من أهل نجد (٤)


(١) انظر لتمام القصة: سيرة ابن هشام (١/ ٤٦٩، ٤٧٠).
(٢) سورة الإسراء، آية ٨٠.
(٣) أخرجه ابن جرير في تفسيره (١٥/ ١٤٩).
(٤) قال السهيلي في الروض الأنف ٢/ ٢٣٩: إنما جاءهم في صورة رجل من أهل نجد لأنهم قالوا -فيما ذكر أهل السير- لا يدخل معكم في المشاورة أحد من أهل تهامة؛ لأن هواهم مع محمَّد.

<<  <   >  >>