لما نُقِضَتِ الصحيفةُ وخرج المسلمون من الحصار وافق موتُ أبي طالب، موتُ خديجةَ - رضي الله عنها - فاشتد البلاء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفهاء قومه، واجترؤوا عليه، وكاشفوه بالأذى، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إِلى الطائف رجاء أن يؤوه وينصروه على قومه، ويمنعوه منهم، ودعاهم إِلى الله عَزَّ وجَلَّ، فلم ير من يؤوي، ولم ير ناصرًا، وآذوه أذًى عظيمًا لم ينل قومه منه أكثر مّما نالوا منه، وكان معه مولاه زيد بن حارثة، وكان قد عمد إِلى نفرٍ من ثقيف، ثم سادات ثقيف وأشرافهم، وهم إِخوة ثلاثة: عبد ياليل، ومسعود، وحبيب، بنو عمرو بن عمير بن عوف، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إِليهم، فدعاهم إِلى الله، وكلّمهم بما جاءهم له من نصرته على الإِسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال أحدهم: هو يمرطُ ثياب الكعبة إِن كان الله قد أرسلك. وقال الآخر: أما وجد الله أحدًا ليرسله غيرك؟ وقال الثالث: والله لا أكلَّمك أبدًا؛ لئِن كنتَ رسولًا من الله كما تقول؛ لأنت أعظم خطرًا من أن أردَّ عليك الكلام، ولئن كنتَ تكذب على الله، ما ينبغي لي أن أكلّمك. فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم - من عندهم، وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم:"إِن فعلتم ما فعلتم فاكتموا عليَّ". وقد أقام في الطائف عشرة أيام لا يدعُ أحدًا من أشرافهم إِلَّا جاءه وكلَّمه، فقالوا: اخرجْ من بلدنا. وأغْرَوا به سفهاءهم، فوقفوا له صفين، وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى دمِيَتْ قدماه، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شِجاج في رأسه، فانصرف راجعًا من الطائف إِلى مكة محزونًا، وفي مرجعه ذلك دعا بالدعاء المشهور دعاء المهموم: "اللهم إِليك أشكو ضعف قوتي، وقلّة حيلتي، وهوَاني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربِّي، إِلى من تكلني، إِلى بعيد يتجهمني؟ أو إِلى عدوٍ ملَّكْتَه أمري، إِن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أُبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذُ بنور وجهك الذي