للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أشرقت له الظلمات، وصَلُحَ عليه أمرُ الدنيا والآخرة، أن يَحُلَّ عليَّ غضبُك، أو أن ينزلَ بي سخطُكَ، لك العُتْبَى حتّى ترضى، ولا حولَ ولا قوّةَ إِلَّا بك" (١).

فلما رآه ابنا ربيعة؛ عتبة وشيبة وما لقيَ، تحرّكتْ له رحمهما، فدعوا له غلامًا نصرانيا، يقال له: عدّاس.

فقالا له: خذْ قِطْفًا من هذا العنب، فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إِلى ذلك الرجل، فقل له يأكلْ منه. ففعل عدّاس، ثم ذهب به حتى وضعه بين يديْ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال له: كُلْ. فلّما وضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده فيه، قال: "بسم الله". ثم أكل، فنظر عدّاس في وجهه، ثم قال: والله، إِنّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد!، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن أيّ بلاد أنت يا عدّاس؟ وما دينك؟ ".

قال: نصرانيّ، وأنا من أهل نينوى. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قرية الرجل الصالح يونس بن متّى؟ ". فقال له عدّاس: وما يدريك ما يونس بن متّى؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذاك أخي، كان نبيَّا وأنا نبيٌّ". فأكبَّ عداسٌ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبِّل رأسه ويديه وقدميه.

فقال ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أمّا غلامك؛ فقد أفسده عليك! فلمّا جاءهما عدّاس قالا له: ويلك يا عدّاس، مالك تقبِّل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي، ما في الأرض شيءٌ خيرٌ من هذا، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إِلَّا نبيٌّ. قالا له: ويحك يا عدّاس، لا يصرفنّك عن دينك، فإِنّ دينك خيرٌ من دينه (٢).


(١) أخرجه ابن هشام في السيرة النبوية (١/ ٢٦٠، ٢٦٢) عن محمَّد بن إِسحاق، وقال الهيثمي (المجمع ٦/ ٣٥): (فيه محمَّد بن إِسحاق، وهو مدلّس، وبقيّة رجاله ثقات). وضعف الألباني الحديث في تعليقه على فقه السيرة للغزالي ص ١٢٦.
(٢) ابن هشام، السيرة النبوية (١/ ٤٢١) من رواية ابن إِسحاق، عن محمَّد بن كعب القرظي.

<<  <   >  >>