الحمد لله رب العالمين الإِله الملك الحق المبين، والصلاة والسلام على إِمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، رسول الله محمَّد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فهذا كتاب في السيرة النبوية وبيان أهميتها لحياة المسلمين، وحاجتهم بل وضرورتهم إِلى معرفتها والاهتداء بهدي صاحبها - صلى الله عليه وسلم -، والاقتداء به وسلوك طريقته لبناء الجيل الذي يؤمل منه إِجادة صناعة الحياة الصحيحة، والعودة بالأمة إِلى سابق عهدها وسلفها الصالح، والخروج من المأزق الذي تعيشه.
فما أحوج أمة الإِسلام اليوم إِلى بناء النخبة وثُلّة النصر التي تفهم الرسالة، وتدافع أقدار الله بأقدار الله، وتؤسس للنهضة الحضارية بمفهومها الشمولي الصحيح كما صنع أسلافها من أصحاب نبينا - صلى الله عليه وسلم -.
إِن البناء العقدي الإِيماني المؤسس على الحقائق والبراهين هو القاعدة التي عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - على ترسيخها طيلة فترة الرسالة، وكان الوحي يتنزل عليه مرة تلو الأخرى مؤكدًا على هذه الحقيقة لأن العقيدة هي نبع التربية، وميزان السلوك، وحجر الزاوية في الفكر والتوجه.
وعلى أساس البناء العقدي كان البناء السلوكي الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي والإِداري بل والسياسي تسير جنبًا إِلى جنب متكاملة ومتوازية في نسق واحد، جَمعٌ لشتات النفس، وتوجيه الهمّ ليكون همًا واحدًا، وبذلك نَمَت الأمة وتكاملت شخصيتها واشتد عودها، وأثمرت علمًا وأدبًا وحضارة باسقة البناء وارفة الظلال، بسطت أشعتها