ينقسم سكان الجزيرة العربية إِلى بدو وحضر، والنظام السائد بينهم هو النظام القبلي، ولم يعرفوا الاجتماع على دولة إِلا في أحوال قليلة، وعلى مساحات ضيقة، فالجزيرة العربية طوال تاريخها قبل الإِسلام لم تعرف وحدة سياسية جامعة، وحتى في الدول التي قامت في اليمن أو في أطراف الجزيرة في الشام والعراق، لم تنصهر الجماعة فيها في شعب واحد، وإنما بقيت القبائل وحدات، لها نفوذها واستقلالها، وأوضح مثال حالة مكة قبيل وزمن البعثة النبوية، فلا يوجد رأس للدولة له سلطات، ولا مؤسسات إِدارية وسياسية، وإنما تآلف وتعاون قبلي على حسب الأسر وقوة رجالاتها.
والنظام القبلي تسود فيه الحرية، فقد نشأ العربي في الصحراء الواسعة ينتقل كما يشاء من غير قيود، ولذا كانت الحرية من خصائص العرب، يأبون الضيم والذل، ويفتخرون بالقبيلة ويدافعون عن حماها وحرماتها، ويشيدون بأيامهما ومفاخرها، وينتصرون لكل فرد من أفرادها سواء كان محقًا أو مبطلًا، ولهذا كان من أقوالهم: انصر آخاك ظالمًا أو مظلومًا (١).
ويقول شاعرهم:
وهل أنا إِلا من غزيّة إِن غوت ... غويت وإِن ترشد غزية أرشد
فالقبيلة لها شخصيتها السياسية المستقلة، تعقد الأحلاف وتشن الغارات حسب مصلحتها وأوامر رجالاتها.
(١) وقد استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا القول وبين معناه الصحيح، وأن نصره ظالما: بردعه عن الظلم.