للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[غزوة تبوك]

في السنة التاسعة للهجرة وفي شهر رجب منها في وقت الصيف اللاهب، حيث يحلو للناس الظل، ويبدأ نضوج الثمر، كانت غزوة تبوك، وهي الغزوة التي سميت بالعسرة، لاجتماع الشدة في الطقس، والشدة في المال والدواب، وبُعْد الشُّقة والمسافة.

وسبب الغزوة كما ذكر ابن كثير، هو تحقيق قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (١) فقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوة الروم إِلى الإِسلام، وقتالهم إِن لم يستجيبوا، حيث بلغه أنهم يجمعون له، ويؤلبون القبائل العربية الخاضعة لهم على غزو المسلمين كما فعلوا من قبل في مؤته.

وعندما أعلن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزمه على التوجه إِليها دعا إِلى الصدقة، ووضع رداءه فكان كل مسلم يأتي بما يستطيع، فمنهم من يأتي بالكثير، ومنهم من يأتي بالقليل، والمنافقون يسخرون من صاحب الكثير والقليل (٢). وجاء عمر بنصف ماله قائلا: ما أظن أحدًا يسبقني إِلى ما فعلت، وجاء أبو بكر بكل ماله، فقال عمر: والله لا أسابقك أبدًا (٣).

وأنفق العباس، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة، وسعد بن عبادة، وعاصم بن عَدِي نفقات كثيرة، وجهز عثمان ثلث الجيش، فَسُرّ بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وقال: مَا ضَرّ عثمان ما فعل بعد اليوم) (٤).


(١) ابن كثير، البداية والنهاية ط/هجر، ٧/ ١٤٤. والآية ١٢٣ من سورة التوبة.
(٢) صحيح البخاري، كتاب التفسير ح ٤٦٦٨.
(٣) أخرجه الترمذي في سننه ح ٣٦٧٥ وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأبو داود في كتاب الزكاة، باب الرجل يخرج من ماله ٢/ ١٧٣.
(٤) أخرجه البخاري معلقًا، كتاب "فضائل الصحابة" باب فضائل عثمان - رضي الله عنه - وأخرجه الترمذي رقم ٢٧٠٠ وأحمد في المسند ٤/ ٧٥.

<<  <   >  >>