ولهذا لم يكن لهم في آخر عهدهم أثر في السياسة الدولية، لأنهم وحدات صغيرة متفرقه، بل خضعوا في بعض أطرافهم لنفوذ الدولتين الكبيرتين في ذلك الزمن: الفرس والروم، واستُعمِرت اليمن من قبل الأحباش، وبلغ الأمر بأبرهة الحبشي أن غزا الكعبة وأراد هدمها، ولم يستطع العرب مواجهته، لأنهم لم يجتمعوا له في جيش واحد، وإِنما واجهوه قبيلة قبيلة، فلم يصنعوا شيئًا، وكان غاية ما صنعه بعضهم أن أرسلوا مع أبرهة من يَدُلَّه على الطريق إِلى مكة كما فعل أبو رغال الطائفي الذي مات بالمغمس قرب مكة، وكرهه العرب لخيانته فصاروا يرجمون قبره.
وعندما أراد سيف بن ذي يزن التحرر من استعمار الأحباش لجأ إِلى سلطان الروم فلم يجبه، ثم لجأ إِلى كسرى فارس فأمده بعد جهد.
[٢ - الأحوال الدينية]
أمم العرب القديمة وصَمَهم القرآن بالشرك وعبادة الأوثان ولهذا أهلكهم الله لما جاءتهم الرسل بالآيات فلم يؤمنوا، ونَجّى الله الرسل ومن استجاب لهم. وكذا الدول التي قامت في اليمن كانت وثنية يعبدون الكواكب والأصنام، وقد ذكر الله قصة سبأ وأنهم كانوا يسجدون للشمس من دون الله، وقد استجابت ملكتهم لسليمان - عليه السلام - وأسلمت لله رب العالمين، لكن قومها الذين بقوا على الشرك سَلّط الله عليهم سيل العرم فأهلك طائفة منهم، وطوائف هاجروا وتفرقوا في الأرض حتى ضُرِب بهم المثل فقيل: تفرقوا أيدي سبأ. وفي مكة المكرمة رفع إِبراهيم وابنه إِسماعيل القواعد من البيت وجعله مثابة للناس وآمنا، ودعا لأهله بالأمن والبركة وجباية الخيرات من كل مكان، فكانوا على التوحيد والحنيفية السمحة ملة أبينا إِبراهيم، ثم مع مرور الزمن ابتلوا بما ابتلى به غيرهم، فغيروا ملة إِبراهيم، وجاء عمرو بن لُحَيّ الخزاعي بالأصنام وأمر العرب بعبادتها، وانتشرت نتيجة لذلك بينهم عبادة الأصنام وبالغوا في ذلك كثيرًا.