للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حفظ الله لرسوله (صلى الله عليه وسلم) من أوضار الجاهلية]

نشأ - صلى الله عليه وسلم - كما هو معلوم في مجتمع جاهلي يعبد أهله الأصنام ويدعونها من دون الله ويذبحون لها، ويعتقدون في السحرة والكهان، ويستقسمون بالأزلام، ويتعاملون بالربا والميسر، ويشربون الخمر، ويقطعون السبيل، ويسيئون الجوار، إِلى غير ذلك من انحرافات الجاهلية، ولكن الله تولاه وحفظه فلم يشاركهم في شيء من انحرافاتهم، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يجلس إِلى معلم يعلمه وإِنما تولته عناية الله ورعايته، يقول - صلى الله عليه وسلم -: ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به غير مرتين من الدهر كلتيهما يعصمني الله منها، قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بمكة في أغنام لأهله يرعاها، أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان، قال: نعم، فخرجت فجئت أدنى دار من دور مكة فسمعت غناءً وضرب دفوف ومزامير، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: فلان تزوج فلانة، فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصوت فغلبتني عيني فما أيقظني إِلا حَرُّ الشمس، ثم رجعت إِلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فأخبرته ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل، فخرجت، فسمعت كما سمعت في المرة الأولى وصار لي ما صار في الأولى. قال - صلى الله عليه وسلم - فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته (١).

وكان أهل الجاهلية لا يتحفظون من كشف العورات، ولما شارك - صلى الله عليه وسلم - بنقل الحجارة في بناء الكعبة وعليه إِزاره قال له عمه العباس: يا ابن أخي لو حللت إِزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة؛ قال: فحلّه، فجعله على منكبه، قال: فسقط مغشيًا عليه فما رؤي بعد ذلك اليوم عريانًا (٢).


(١) إِبراهيم العلي، صحيح السيرة ص ٤٣. وقال: أخرجه البيهقي في الدلائل ٢/ ٣٣، والبزار، كما في كشف الأستار برقم ٢٤٠٣. وقال البوصيري كما في المطالب العالية: رواه إسحاق بن راهويه بإِسناد حسن، وقال ابن حجر: هذه الطريق حسنة جليلة، وقال: وهو حديث حسن متصل ورجاله ثقات.
(٢) صحيح البخاري في مواضع من صحيحه منها كتاب الصلاة باب كراهية التعري، ح ٣٦٤.

<<  <   >  >>